ج ٣، ص : ٢٠٩
أو عذابا أَصْلِ الْجَحِيمِ : قعر جهنم طَلْعُها الطلع : اسم لثمر النخلة أول بروزه، وإطلاقه على ثمر هذه الشجرة مجاز لَشَوْباً الشوب : الخلط، يقال : شاب طعامه وشرابه إذا خلطهما بشيء يشوبهما حَمِيمٍ الحميم : الماء الحار يُهْرَعُونَ الإهراع : الإسراع برعدة كهيئة الهرولة، يقال : جاء فلان يهرع إلى النار : إذا استحثه البرد إليها، فهذا الفعل ملازم للبناء للمجهول.
المعنى :
قل يا محمد لقومك - على سبيل التوبيخ والتبكيت والتهكم - : أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ؟ والخيرية بالنسبة إلى ما اختاره الكفار على غير ذلك المعلوم في جنات النعيم الذي مضى ذكر طرف منه وكانت نهايته اللذة والسرور، أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم التي هي طعامه الظلمة الآثمين، والتي نهايتا الألم والحزن، وبعبارة واضحة : إن الرزق المعلوم - الذي مضى وصفه - نزل أهل الجنة. والشجرة الملعونة شجرة الزقوم نزل أهل النار، فأيهما خير في كونه نزلا.. ؟ !
إنا جعلنا شجرة الزقوم ذات الرائحة الكريهة والطعم المر البشع جعلناها فتنة للذين كفروا حيث قالوا : كيف تكون شجرة تنبت في قعر جهنم وبين النار المحرقة ورطوبة النبات بون شاسع ؟ وجعلها ربك عذابا لهم في الآخرة، وأى عذاب أشد من هذا ؟
إنها شجرة تنبت في قعر جهنم ثمرها كأنه رءوس الشياطين في تناهى القبح والهول وفظاعة المنظر وبشاعته « ١ ».
فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون على بشاعتها وسوء طعمها وقبح مذاقها، ثم إن لهم بعد ذلك لشرابا مخلوطا بالحميم.
ويقول الكشاف ذاكرا الحكمة في الإتيان بثم هنا : إنه ذكر الطعام بتلك الكراهة والبشاعة ثم ذكر الشراب بما هو أكره وأبشع فجاء بثم للدلالة على تراخى حال الشراب عن حال الطعام. أى أن حال الشراب كانت أشد فظاعة وألما، ثم إنهم بعد ذلك كله مرجعهم ومأواهم لإلى الجحيم المهيأ لهم نزلا جزاء بما كانوا يعملون.
(١) - والعرب تشبه هنا المنظر الحسن بالملك « إن هذا إلا ملك كريم » وصاحب المنظر الكرية بالشيطان والغول، وتشبيه الشيء المحسوس بالأمر الثابت في الذهن والخيال يسمى تشبيها تخييليا وهو معروف في اللغة يقول امرؤ القيس « ومسنونة زرق كأنياب أغوال ».