ج ٣، ص : ٢٢٥
مطالبتهم بالحجة المنقولة على ما يدعون من أن الملائكة بنات اللّه إذ الحكم المقبول لا بد له من سند حسى أو عقلي أو نقلي، وقد انتفى حضورهم ومشاهدتهم خلق الملائكة إناثا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ؟ ولا دليل لهم عقلي يؤيد دعواهم أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ؟ فلم يبق إلا الحجة المنقولة فإن كانت فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين، والأمر هنا (فأتوا) للتعجيز، كقولك : اصعد السماء.
روى أن بعض كفار قريش لما قالت : الملائكة بنات اللّه قال لهم أبو بكر - على سبيل التبكيت والإنكار - : فمن أمهاتهم ؟ فقالوا : بنات سروات الجن، فنزل قوله تعالى وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً
وقد كان الخطاب معهم فالتفت يتكلم عنهم (بالغيبة) للإشارة إلى انقطاعهم عن الجواب وسقوطهم عن درجة الخطاب، وعلى ذلك فالمراد بالجنة هم الشياطين، وبالنسب المصاهرة، ولعل المراد بالجنة هم الملائكة وبالنسب النسبة له - سبحانه وتعالى - حيث قالوا : هم بنات اللّه.
وباللّه لقد علمت الجنة : أن من يقول ذلك لمحضرون، وفي عذاب جهنم مخلدون فانظروا أين أنتم يا كفار مكة ؟
سبحان اللّه، وتنزيها له عما يصفون! سبحانه وتعالى عما يشركون، وتقديسا له وتنزيها عما يدعيه المبطلون المفترون!! إن من يشرك باللّه لفي جهنم محضرون إلا عباد اللّه المخلصين الذين أخلصوا للّه في عبادتهم واصطفاهم ربهم فأخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، أولئك في الجنة لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [سورة ص الآيتان ٨٢، ٨٣].
إذا علمتم هذا فإنكم أيها المشركون ومن عبدتموهم ما أنتم على اللّه - عز وجل - بفاتنين، على معنى : ما أنتم ومعبودكم مفسدين أحدا على اللّه - عز وجل - بإغوائكم إلا من سبق في علم اللّه - تعالى - أنه ممن يدخلون النار ويصلونها، وبئس القرار، فالأمر كله للّه، وقد ترك للعبد حرية الاختيار ليجازيه على عمله بالحسنى أو بالنار.
أما الملائكة الذين تدعون أنهم بنات اللّه أو تشركونهم مع اللّه فها هو ذا اعترافهم الصريح، وها هو ذا موقفهم مع الحق - تبارك وتعالى - وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ