ج ٣، ص : ٢٣٢
اللّه. فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم قائلين : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ؟ !
وانطلق الأشراف منهم يتحاورون قائلين : أن امشوا واتركوه، وسيروا على ما أنتم عليه، واصبروا على عبادة آلهتكم، وتجمعوا على عبادتها إن هذا - الإشارة إلى ما وقع وشاهدوه من أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وتصلبه في أمر التوحيد وتشدده في نفى الآلهة - لشيء عظيم يراد من جهته صلّى اللّه عليه وسلّم إمضاؤه وتنفيذه لا محالة مهما كانت الظروف.. وقيل المعنى : إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا، فلا حيلة معه إلا الصبر والمثابرة عليه.
ما سمعنا بهذا الذي يقوله في الملة التي عليها العرب أخيرا والنحلة التي رأيناهم عليها فمن أين بهذا ؟ ما هو إلا اختلاق وكذب، وزور وبهتان.
كانت لمشركي مكة شبه ثلاث هي أوهى من بيت العنكبوت :
(ا) تعجبوا من كون الرسول واحدا منهم.
(ب) أنكروا أن تصريف هذا الكون يرجع إلى إله واحد.
(ج) أنكروا إنزال القرآن على محمد دونهم.
وقد تصدى القرآن للرد على الشبهة الثالثة بردود مفحمة، واكتفى بسرد الشبهة الأولى والثانية لأن إثبات أن القرآن نزل من عند اللّه على محمد هو الغاية والنهاية، وبه تزول كل شبهة.
أنزل عليه الذكر من بيننا ؟ ولما ذا اختص هو بذلك الشرف العالي والدرجة السامية درجة الرسالة عن رب العالمين، وهذه شبهة قديمة وسلاح شهرته الأمم في وجه الرسل فها هم أولاء قوم صالح يقولون : أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هو كذاب أشر ؟ ! وقال المشركون من قريش : لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ؟ أهم يقسمون رحمة ربك ؟ ! وهذا هو الرد : بل هم في شك من ذكرى، هؤلاء الناس قد أعماهم التقليد، وأضلهم الجهل المطبق فلم ينظروا بالعقل المجرد عن الهوى إلى الدلائل الشاهدة على