ج ٣، ص : ٢٣٧
سببا لدخولهم فقالوا : نحن خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق، ولا تجر، واهدنا إلى سواء السبيل، ويجوز أن يكونا متخاصمين حقيقة، ولما دخلوا على داود بلا إذن، وتوجس منهم خيفة وظن بهم الظنون، وهم بذلك أن يصيبهم بسوء كانت هذه الواقعة فتنة وابتلاء لداود، ثم إنه استغفر ربه مما هم به من الانتقام، وتاب عما دار بخلده من ظن، وخر راكعا فتاب اللّه عليه وغفر له.
أما قصتهما كما أخبر فهي : إن هذا أخى، أى : في الدين والإنسانية له تسع وتسعون نعجة - هي الواحدة من الغنم أو بقر الوحش - ولى نعجة واحدة، فقال صاحب الغنم الكثيرة أعطنى نعجتك أكفلها لك وأضمها لغنمي وغلبه في المخاصمة والمجادلة.
قال داود متسرعا قبل أن يسمع جواب الخصم الثاني - ولعل هذا هو الذنب الذي ألم به داود - : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيرا من الخلطاء والشركاء ليبغى بعضهم على بعض حبا في الدنيا، وشحا في النفوس إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلا يبغى بعضهم على بعض وقليل ما هم.
وظن داود أنما فتناه بهذه الحادثة فاستغفر ربه مما ألم به وتاب، وخر راكعا وصلى للّه قائما وساجدا وأناب، فغفر له ربه ذنبه - لا تنس أن حسنات الأبرار سيئات المقربين - وإن لداود عند ربه لقربى ومنزلة كريمة، وحسن مآب، أليس وصف داود بعد القصة بأن له زلفى وحسن مآب يدل على أنه عبد صالح أواب يستحيل عليه الإلمام بمعصية تغضب اللّه.
أما خلافته في الأرض فيقول اللّه عنها : يا داود إنا جعلناك خليفة للّه في أرضه، خليفة للّه على عباده تقيم حكمه، وتدعو إلى شرعه. وتثبت دعائم عدله وتقضى بين الناس، فاحكم يا داود بينهم بالحق. ولا يحملنك شنآن قوم على عدم العدل فأنت خليفة أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، يا داود لا تتبع الهوى فإن من اتبع هواه ضل، ومن انحرف عن الصراط وقع في الهاوية، لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه وهو الصراط المستقيم.
إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ وهذا تعليل لما قبله، إن الذين يضلون عن سبيله لهم عذاب شديد وقعه بسبب أنهم نسوا يوم الحساب، ولم يعملوا لذلك اليوم، أولئك الذين نسوا اللّه فأنساهم العمل لخيرهم فكان جزاؤهم النار وبئس القرار.