ج ٣، ص : ٢٥٤
المفردات :
زُلْفى : قربة لَاصْطَفى : لاختار.
وهذه سورة مكية تكلمت أولا عن القرآن الذي أنزل على محمد بن عبد اللّه بالحق وناقشت المشركين في عقائدهم، ونفت عن اللّه اتخاذ الولد.
المعنى :
ذلك الكتاب الذي أحكمت آياته ثم فصلت، تنزيل من اللّه العزيز الذي لا يعجزه شيء في السماء ولا في الأرض، الحكيم صاحب الحكمة الذي يضع كل شيء في موضعه، واللّه سبحانه حكيم حقا لأنه عالم بكل الجزئيات، لا يعجزه شيء من الممكنات، ومستغن عن كل الحاجات، وإذا كان هذا كلامه وجب أن نتبعه في كل شيء وأن نؤمن به، وقد شرع اللّه في الكلام على ما أنزل عليه بعد الكلام على القرآن نفسه فقال : إنا أنزلنا إليك يا محمد القرآن ملتبسا بالحق الذي لا شك فيه، وبالصدق الذي ليس معه باطل ولا هزل، فكل ما فيه حق لا ريب فيه، موجب العمل به حتما، وإذا كان الأمر كذلك فاعبد اللّه أيها الإنسان مخلصا له الدين عبادة ليس فيها رياء ولا سمعة عبادة خالصة لوجه اللّه ليس معها شرك ولا وثنية.
ألا للّه الدين الخالص، نعم للّه وحده الدين الخالص فلا شريك له ولا ند، فالاشتغال بعبادة اللّه على سبيل الإخلاص أفادته الآية الأولى، وأما نفى الشريك والبعد عن عبادة غير اللّه فقد أفادته الآية الثانية أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وعلى ذلك فلا تكرار، القرآن يحثنا على عبادة اللّه وحده مع الإخلاص والصدق في العمل، والذين اتخذوا من دون اللّه آلهة عبدوها وأشركوها باللّه ويقولون : ما نعبدهم إلا ليقربونا زلفى.. كانوا إذا قيل لهم من ربكم ؟ ومن خلقكم ؟ ومن خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء ؟ قالوا : اللّه! فيقال لهم : ما معنى عبادتكم غيره ؟ قالوا : عبدناهم ليقربونا إلى اللّه زلفى. ويشفعوا لنا عنده فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً.
[الأحقاف ٢٨] كأنهم يقولون : إنا نتخذهم وسطاء وشفعاء للّه، واللّه - سبحانه - ليس في حاجة إلى ذلك إذ هو العليم الخبير بخلقه البصير بهم، واسع الفضل والرحمة فليس في حاجة إلى