ج ٣، ص : ٢٦٢
قل لهم يا محمد : إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بالشرك والمعاصي، وخسروا أهليهم، أى : أتباعهم حيث أضلوهم، وأضاعوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة. ألا ذلك هو الخسران المبين.
لهم من فوقهم ظلل من النار وطبقات تعلو رؤوسهم. ولهم من تحتهم ظلل.
وتسميتها ظللا من باب المشاكلة. على أنها ظلل لمن تحتهم في طبقة أخرى من النار.
ذلك العذاب الفظيع يخوف اللّه به عباده ليخافوا فيجتنبوا ما يوقعهم به. يا عبادي فاتقون، ولا تتعرضوا لما يوجب سخطى وعذابي.
والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها، وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى. والطاغوت هو الشيطان لأنه سبب الكفر والعصيان، أو هو كل معبود دون اللّه. هؤلاء الذين تركوا عبادة الأوثان، وخالفوا الشيطان لهم البشرى بالثواب من اللّه على ألسنة الرسل الكرام.
فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم اللّه ووفقهم، وأولئك هم أولو الألباب وأصحاب العقول السليمة.
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ « ١ » لست أنت مالك أمر الناس ولا أنت تقدر على إنقاذ من في النار، بل المالك والقادر على ذلك كله هو اللّه - سبحانه وتعالى - فأنت ترى أن اللّه - سبحانه وتعالى - جعل استحقاقهم للعذاب وهم في الدنيا بمنزلة دخولهم النار يوم القيامة. وقد جعل حالة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يدعوهم إلى الإسلام، ويبالغ في تحصيل هدايتهم، بمنزلة حال من ينقذهم من النار إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص ٥٦].
لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف مبنية من فوقها غرف تجرى من تحتها الأنهار. وعد اللّه المؤمنين بذلك وعدا كريما محققا. واللّه - سبحانه - لا يخلف وعده. ومن أصدق من اللّه حديثا ؟ !

_
(١) الهمزة للاستفهام الإنكارى، والفاء للعطف على مقدر تقديره : أأنت مالك أمر الناس فمن حقت عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه ؟ ! والهمزة الثانية لتوكيد الأولى.


الصفحة التالية
Icon