ج ٣، ص : ٢٦٦
وهو كتاب يشبه بعضه بعضا وتثنى فيه القصص والمواعظ والأحكام، أى : تعاد وتكرر بمنتهى البلاغة وروعة التصوير ودقة التعبير.
هذا وصفه في نفسه، فإذا سمعه المؤمنون اقشعرت منهم الجلود، واضطربت منهم القلوب، ووجلت منهم النفوس، إذا سمعوا وعيد اللّه، ورأوا بعيون البصيرة ما أعد للمكذبين الكفار دمعت عيونهم وخشعت أصواتهم، واقشعرت جلودهم، ثم تلين قلوبهم وتسكن حينما يسمعون ذكر رحمة اللّه بالمؤمنين، تفرح نفوسهم، وتنشرح صدورهم إلى ذكر فضله على المؤمنين يوم لقائه.
عن أسماء بنت أبى بكر الصديق - رضى اللّه عنهما - قالت : كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا قرئ عليهم القرآن - كما نعتهم اللّه - تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم، فقيل لها : فإن أناسا اليوم إذا قرئ القرآن خر أحدهم مغشيا عليه، فقالت : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم. ومر ابن عمر - رضى اللّه عنه - برجل من أهل القرآن ساقطا، فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر اللّه سقط : فقال ابن عمر : إنا لنخشى اللّه وما نسقط.. ما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك - والإشارة إلى الكتاب الذي مر ذكر وصفه - هدى اللّه، يهدى به من يشاء من عباده ومن يضلله اللّه فما له من هاد يهديه بعده، ومن هنا ندرك أن القرآن وتلاوته وسماعه هو سر شرح الصدور، والعامل الأول في جلاء القلوب وإزالة صدأ النفوس.
هل يستوي المهتدى إلى نور الحق والضال عن سواء السبيل ؟ لا يستويان بحال أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ؟ بمعنى : أكلّ الناس سواء ؟ فمن شأنه أن يتقى - بوجهه الذي هو أشرف أعضائه - يتقى به العذاب السيئ يوم القيامة لأن يده التي جعلت للاتقاء بها مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه مكروه، ولا يصيبه سوء أبدا ؟ من يسوى هذا بذاك ؟ وكيف يستويان ؟ ! أحدهما كافر بالقرآن متحزب مع الشيطان والآخر قد اهتدى بنور القرآن، وأفعم قلبه وصدره ببرد اليقين ونور رب العالمين.
ولا يستويان وقد قيل للظالمين : ذوقوا ما كنتم تكسبون، وهذا عذاب الكفار يوم القيامة، وهاك عذابهم في الدنيا : كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب المقدر لهم


الصفحة التالية
Icon