ج ٣، ص : ٢٧٠
قضاءه العدل، وإذا كان الأمر كذلك فمن أظلم الناس ؟ لا أحد أظلم ممن كذب على اللّه حيث أضاف إليه الشريك والولد، وكذب بالأمر الذي هو عين الصدق إذ جاءه فلم يترو ولم يفكر، بل فاجأ بالتكذيب والرد، والمعنى أن هذا الذي كذب على اللّه، وكذب بالقرآن أظلم من كل ظالم، ولا أحد أظلم منه.
أليس في جهنم مثوى لهؤلاء الذين افتروا على اللّه الكذب، وسارعوا إلى التكذيب بالصدق، والمراد أن جهنم أعدت لهؤلاء، وهي كافية لهم حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها [سورة المجادلة آية ٨] فهي عقوبة لكفرهم.
وأما الذي جاء بالصدق، والقول الحق، وهو رسول اللّه وخاتم أنبيائه وإمام رسله صلّى اللّه عليه وسلّم والذين صدقوا به وآمنوا بأنه من عند اللّه وفيه تبيان كل شيء والخير لكل كائن حي، أولئك هم المتقون دون سواهم، لهم ما يشاءون ويطلبون عند ربهم، من كل نافع لهم ومفيد يوم القيامة، لا في الجنة فقط، ولكن لهم ما يشاءون يوم الحساب يوم الفزع الأكبر، وعند كل موقف عسير، ذلك الجزاء المذكور جزاء المحسنين.
وعدهم اللّه بذلك كله ليكفر عنهم سىء ما عملوا إن كان لهم سىء، وليجزيهم أجرهم كاملا بأحسن أعمالهم التي كانوا يعملونها، وكل عمل لهم فهو أحسن لمزيد إخلاصهم وحسن تقبل اللّه له.
قد يقول قائل : ما معنى أن اللّه يكفر عن المتقين أسوأ ما عملوا ؟ وهل لهم سيّئ وأسوأ واللّه يكفر الأسوأ فقط ؟ والجواب أن هؤلاء المتقين لشدة تقواهم إذا فرط منهم ذنب صغير فهو عندهم أسوأ الذي عملوا لاستعظامهم المعصية في جنب اللّه، فكل ذنب صغير فهو في نظرهم كبير، بل أسوأ أعمالهم، فليس لهم سىء وأسوأ في الواقع، وكذلك الحسن الذي يعملونه هو عند اللّه الأحسن، لحسن إخلاصهم ومزيد تقواهم فلذلك ذكر سيئهم بالأسوإ - في نظرهم كما سبق - وحسنهم بالأحسن كما علمت..
أليس اللّه بكاف عبده « ١ » والمعنى أن اللّه كاف عبده وهو النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ومؤيده وعاصمة

_
(١) مثل هذا التركيب من كل استفهام دخل على نفى يفيد التقرير بمدخول النفي أو بما يعلمه المخاطب، كقوله تعالى : أَلَمْ نَشْرَحْ، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ إلخ ومنشأ هذا أن الاستفهام إنكارى دخل على النفي فأفاد معنى التقرير والتثبيت بالدليل إذ نفى النفي إثبات.


الصفحة التالية
Icon