ج ٣، ص : ٢٨٦
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ عند ذلك بِنُورِ رَبِّها أى : أضاءت بنوره، ولعل هذا إشارة إلى تجليه - عز وجل - لفصل القضاء أو الحكم بين الناس بالعدل، ولا يبعد أن يكون هذا النور هو الذي يعنيه
الحديث : حجابه النور
وهو نور يظهر عند ذلك التجلي، وفي الحق أن الأمر فوق ما تنتهي إليه عقول البشر، واللّه أعلم بكتابه، وأشرقت أرض المحشر بنور ربها جل شأنه، ووضع الكتاب وبرزت صحائف الأعمال ليتلقاها أصحابها باليمين أو بالشمال، وجيء بالنبيين - صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين - ليسألوا عما فعلوا، وجيء بالشهداء الذين يشهدون على الأمم أو الأفراد وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ « ١ » وقيل : المراد بالشهداء الذين يشهدون على الأمم من أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً « ٢ » وقيل : هم الشهداء الذين استشهدوا في سبيل اللّه.
ووفيت كل نفس ما عملته من خير أو شر، ولا عجب فالذي يجازيها هو أعلم بما فعلته من خير أو شر يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ « ٣ ».
وهاك تفصيلا لتوفية كل نفس عملها : وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً يا سبحان اللّه!! أيساقون إليها سوق الأنعام بالشدة والغلظة ؟ ! يساقون إليها زمرا وجماعات مرتبة على حسب شرورها وآثامها حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها لهم كالسجن يفتح بابه للسجين حينما يصله، وقال لهم خزنتها وحراسها تأنيبا وتقريعا : ألم تأتكم رسل منكم ومن جنسكم تفهمون عنهم، وتعرفون أمرهم، يتلون عليكم آيات ربكم، وينذرونكم يوما عبوسا قمطريرا كهذا اليوم ؟ ويخوفونكم لقاء يومكم هذا ؟ ! قالوا : بلى قد جاءتنا الرسل وكثيرا ما وعظتنا وذكرتنا باللّه، وخوفتنا لقاء هذا اليوم، ولكن حقت كلمة اللّه لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ « ٤ » نعم حقت كلمة العذاب على الكافرين، أى : كلمة اللّه المقتضية للعذاب، والمراد بها حكم اللّه عليهم بالشقاوة وأنهم من أهل جهنم بسوء اختيارهم وشنيع فعلهم الذي فعلوه مع الأنبياء.

_
(١) - سورة ق آية ٢١.
(٢) سورة البقرة آية ١٤٣.
(٣) سورة لقمان آية ١٦.
(٤) - سورة السجدة آية ١٣. [.....]


الصفحة التالية
Icon