ج ٣، ص : ٢٩١
فيه وتاب فأحسن التوبة، فلما بلغ عمر أمره قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم زل زلة فسددوه وادعوا اللّه له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه.
هذا هو القرآن الكريم الذي أنزل على النبي الصادق الأمين، والذي أنزله رب العالمين غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذو الطول. لا إله إلا هو إليه المصير، فهل آمن به كل الناس ؟ لا : من الناس من كفر باللّه وجادل في كتاب اللّه جدالا بالباطل الذي لا حق فيه، وقال تمويها وتضليلا : إنه سحر أو شعر أو كهانة أو هو أساطير الأولين، وإنما يعلمه بشر، وأمثال هذا كثير مما كانوا يقولون للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولذا يقول اللّه هنا : ما يجادل في آيات اللّه جدالا بالباطل لا بالحق، وإلا فالجدال لإظهار الحق ولتفهم المعنى مطلوب شرعا، ما يجادل بالباطل إلا الذين كفروا، وهؤلاء سنريهم آياتنا، وحسابنا العسير لهم في الدنيا والآخرة، فلا يغررك ما هم فيه من نعمة، ولا يهمنك تمتعهم في الدنيا فهو متاع قليل، مأواهم جهنم وبئس المصير، انظر تر أن العذاب الذي لحقهم سببه أنهم عزموا على إيذاء الرسول وقتله، وجادلوا بالباطل لإزهاق الحق فكانوا بذلك من أصحاب النار.
وهذه سنة اللّه مع من يكذب رسله، ولن تجد لسنة اللّه تبديلا، فقد كذبت قبلهم قوم نوح، وكذبت عاد وثمود وقوم فرعون وإخوان لوط، هؤلاء تحزبوا ضد أنبيائهم، وتجمعوا للكيد بهم، وعزمت كل أمة منهم لتأخذ رسولها أسيرا فتهلكه وتقتله، ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين، فعلوا هذا، وما علموا أن اللّه ينصر رسله ويدافع عنهم وعمن آمن معهم.
وهؤلاء الذين كذبوا رسل اللّه وهموا أن يأخذوا رسلهم ليقتلوهم، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، ويطمسوا معالمه، أخذهم ربك أخذ عزيز مقتدر، فكيف كان عقاب ؟ ! وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ أى : كما وجب وثبت حكمه - تعالى - وتحقق هلاك هؤلاء المتحزبين على الأنبياء، وجب وتحقق حكمه - سبحانه وتعالى - بالإهلاك على هؤلاء المتحزبين عليك أيضا من قريش لأنهم أصحاب النار « ١ » فالسبب واحد والعلة واحدة.
(١) هذا إشارة إلى أن (أنهم) منصوبة بنزع الخافض، ويجوز إعرابها بدلا، (و أن وما دخلت عليه) بدل من (كلمة ربك).