ج ٣، ص : ٢٩٤
فيما وقعوا باتباع هواها، ويصح أن يكون المعنى أنهم يمقت بعضهم بعضا، الأتباع والمتبوعين الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ « ١ » يكفر بعضكم ببعض ويعلن بعضكم بعضا فيقال لكم عند ذلك رءوس الأشهاد : لمقت اللّه أنفسكم الأمارة بالسوء إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أشد من مقتكم أنفسكم، أو المعنى لمقت اللّه أنفسكم في الدنيا إذ « ٢ » تدعون من جهة الأنبياء إلى الإيمان فتأبون قبوله فتكفرون اتباعا لأنفسكم ومسارعة في هواها أو اقتداء بأخلائكم المضللين، لمقت اللّه هذا أكبر من مقتكم أنفسكم أو أكبر من مقت بعضكم لبعض.
هؤلاء الكفار حينما يشتد بهم العذاب، ولا يطيقون الصبر يقولون : ربنا أمتنا اثنتين أى : موتتين، الأولى قبل الحياة، والثانية في الدنيا، وأحييتنا اثنتين، الأولى في الدنيا والثانية يوم القيامة، فاعترفنا بذنوبنا وآثامنا، وبدا لنا سيئات ما عملنا، فارجعنا نعمل صالحا في حياة ثالثة فإنا أدركنا خطأنا وتبين لنا صدق الرسل - عليهم السلام - وأصبحنا موقنين بذلك، فهل إلى خروج من سبيل « ٣ » ؟ لا.. فإنهم « لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه »، ذلكم العذاب الدائم المستمر الذي هم فيه بسبب أنه إذا دعى اللّه وحده كفروا باستمرار، وإن يشرك به يؤمنوا على أن له شريكا، وحيث كان الأمر كذلك فالحكم للّه العلى الكبير.
هو الذي يريكم أيها الناس آياته الكونية وآياته القرآنية الشاهدة له بالوحدانية والقدرة والاتصاف بكل كمال والتنزه عن كل نقص، وهو الذي ينزل لكم من السماء رزقا، ترى أن اللّه - سبحانه - جمع في الآية نعمه التي تحيى الأديان والتي تحيى الأبدان، وتقوى الروح والأجسام، ولا يتذكر بهذا، ولا يتعظ إلا من ينيب.
وإذا كان الأمر كذلك فادعوا اللّه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، هو رفيع الدرجات، عظيم الصفات، رافع درجات المؤمنين، ذو العرش وصاحب الملك وكامل التصرف لا إله إلا هو، يلقى الروح على من يشاء من عباده، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، فهو الذي ينزل الوحى على الأنبياء، لينذروا الناس يوم التلاقي، واجتماع الخلق
(١) - سورة الزخرف آية ٦٧.
(٢) - إذ تدعون إذ ظرف لمقت الأول وإن توسط بينهما الخبر، واللام في لمقت لام الابتداء وقعت بعد ينادون لأنها في معنى يقول لهم.
(٣) - هذا استفهام مراد به التمني لأنهم يعلمون أنهم لا يخرجون.