ج ٣، ص : ٣٠٧
ويا قوم : مالي أدعوكم إلى النجاة من عذاب النار وغضب الجبار، وأنتم تدعونني إلى النار وعذاب الجبار إذ تدعونني لأكفر باللّه وأشرك به ما ليس لي به علم، أى :
ما ليس له حقيقة في الوجود حتى أعلم به فنفى العلم هنا كناية عن نفى المعلوم، وأما أنا فأدعوكم إلى العزيز الغفار الموصوف بكل كمال المنزه عن كل نقص.
لا شك أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، أى : ثبت وحق عدم دعوة الذين تدعونني إليه من الأصنام إلى عبادته أصلا من أن من حق المعبود بالحق أن يدعو عباده إلى عبادته، ويظهر ربوبيته لخلقه، وما تدعونهم أصناما وأحجارا لا نفع لها ولا ضرر لا تسمع ولا تبصر، فليس لها دعوة إلى عبادتها في الدنيا، في الآخرة يتبرءون من عبادتكم لهم واعلموا أن مردنا إلى اللّه، وأن المسرفين في ارتكاب الذنوب والآثام هم من أصحاب النار.
يا قوم ستذكرون ما أقوله لكم يوم لا تنفع الذكرى، وستندمون يوم لا ينفع الندم، وأما أنا فسأفوض أمرى إلى اللّه ليعصمني من كل سوء ومكروه إن اللّه بصير بالعباد، فوقاه اللّه سيئات ما مكروا، وكفاه شر المستهزئين به المعاندين له، وحاق بآل فرعون العذاب السيئ وأحاط بهم من كل جانب، وما هو العذاب السيئ ؟ هو النار يصلونها ويحرقون بلهيبها، ويعرضون عليها صباحا ومساء.
ومن هنا كان القول بعذاب القبر. وصح ما روى عن بعضهم : إن أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها، يشهد بذلك ما
روى عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم « إنّ الكافر إذا مات عرضت روحه على الجنّة بالغداة والعشىّ » وخرج البخاري ومسلم حديثا كهذا.
روحه على النّار بالغداة والعشىّ » ثم تلا : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وإنّ المؤمن إذا مات عرضت روحه على الجنّة بالغداة والعشىّ »
وخرج البخاري ومسلم حديثا كهذا.
ويوم القيامة يقال للملائكة : أدخلوا آل فرعون أشد أنواع العذاب، وهذا دليل على أن عرض النار عليهم في الدنيا، وأن عذاب القبر حقيقة واقعة، واللّه أعلم.