ج ٣، ص : ٣٢٥
وكتاب فصلت آياته حالة كونه قرآنا عربيا نزل بلغة العرب، وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه، فهو أنزل عربيا لقوم يعلمون أسراره ويدركون معانيه وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ « ١ » حالة كونه بشيرا لمن آمن، ونذيرا لمن عصى فنشأ عن وصف القرآن بهذه الصفات أن أعرض عنه أكثر أهل مكة فهم لا يسمعون سماعا ينتفعون به.
وقالوا : قلوبنا في أغطية تمنعنا من فهم ما تدعونا إليه من أمر التوحيد والإقرار بالبعث والتصديق بالرسالة، وفي آذاننا وقر وصمم يمنعنا عن السماع، ومن بيننا وبينك حجاب سميك ابتدأ من عندنا وانتهى إليك. هذا الحجاب يمنعنا عن سماع ما تدعو إليه تراهم وصفوا أنفسهم بثلاث صفات : قلوبهم في أغطية، وفي سمعهم صمم، وبينهم وبينك حجاب.
يقول بعض العلماء : هذه تمثيلات لبعد قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقاده، ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول، وقيل : إنهم شبهوا قلوبهم بالشر المحاط بالغطاء المحيط له بجامع عدم الوصول له من أى ناحية : وشبهوا أسماعهم بآذان بها صمم حيث لم تنتفع بشيء من دعوة النبي، وشبهوا حال أنفسهم مع الرسول بحال شيئين بينهما حجاب سميك يمنع من وصول أحدهما إلى الآخر.
وإذا كان الأمر كذلك فاعمل على دينك، إننا عاملون على ديننا.
وانظر إلى رد القرآن عليهم الذي أمر به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : قل لهم : إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد، أى : لست ملكا ولا جنيا، وإنما أنا بشر مثلكم وواحد منكم فكيف تقولون : إن بيننا وبينك حجاب ؟ والحجاب المانع عن التفاهم يعقل لو كان النبي من جنس آخر أو يتكلم بلغة أخرى لا تفهم، وكأن النبي يسل سخائم حقدهم بقوله : أنا بشر مثلكم لم أزد عليكم في شيء، ولست مكلفا بأكثر مما يعمله البشر غاية الأمر أنه أوحى إلى أنما إلهكم إله واحد، وكلفت بتبليغكم هذه الحقيقة فكيف نقول : إن قلوبنا في أكنة من هذه الحقيقة، وفي آذاننا وقر فلا نسمعها، أى أن دعوتكم حقيقة يقر بها العقل، ويدعو إليها المنطق السليم، والعقل الرشيد، فكيف يكون هذا موقفكم من هذه الدعوة ؟ !

_
(١) - سورة فصلت آية ٤٤.


الصفحة التالية
Icon