ج ٣، ص : ٣٣١
فإن أعرضوا ولم يقبلوا الحجة المعقولة وركبوا رءوسهم واستوحوا العناد من شياطينهم فقل لهم : إنى أنذركم صاعقة تنزل بكم وعذابا شديدا يحل بكم مثل العذاب الذي نزل بعاد وثمود وقت « ١ » أن جاءتهم الرسل تبشرهم وتنذرهم وتدعوهم إلى الهدى ودين الحق، وقد سلكوا معهم كل الطرق وأتوهم بجميع وجوه الحيل، جاءتهم الرسل بالوحي والشرائع بألا « ٢ » تعبدوا إلا اللّه وحده ولا تشركوا به شيئا.
فماذا قالوا ردّا على هذه الدعوة ؟ قالوا : لو شاء ربنا إنزال رسل من عنده للناس لأنزل ملائكة تكون رسلا له لكنه لم يشأ ذلك، وعلى ذلك فإنا بما أرسلتم به - على زعمكم أيها الرسل - لكافرون وغير مؤمنين أبدا فإنكم بشر مثلنا، ولا فضل لكم علينا.
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وهذا تفصيل لما حصل لكل من قبيلة عاد وثمود مع رسلهم بعد ذكره بالإجمال، وبدأ بذكر عاد لأنهم أقدم زمنا من قبيلة ثمود، فأما عاد فكانوا قوما يبنون بكل ريع ومرتفع من الأرض آية بها يعبثون وكانوا يتخذون مصانع لظنهم أنهم مخلدون، وكانوا إذا بطشوا بطشوا جبارين، فهم لذلك قوم مستكبرون، استكبروا في الأرض بغير الحق وكذبوا بالرسل واستهزءوا بنبيهم وقالوا مغترين : من أشد منا قوة ؟ قالوا ذلك عند ما أنذرهم رسولهم بالعذاب.
عجبا لهؤلاء وأى عجب ؟ أغفلوا ولم يعلموا أن اللّه الذي خلقهم ورزقهم هو أشد منهم قوة وقدرة فليس العذاب الذي يخوفون من عند الرسل، لا، ولكنه من عند خالق القوى والقدر، الإله القوى القادر على كل شيء، وكانوا بآيات ربك الكثيرة يكفرون.
فأرسلنا عليهم صرصرا شديدة تهلك بحرها أو ببردها أو هي ريح قاصفة تهلك بصوتها، جاءتهم في أيام نحسات سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ « ٣ » ؟ أرسلنا عليهم لنذيقهم
(١) إذ هنا طرف لصاعقة الثانية لأنها بمعنى (عذب) وقيل : هي حال منها لأنها خصصت بالإضافة.
(٢) أن هذه يصح أن تكون مفسرة لأن مجيء الرسل بالوحي والشريعة يتضمن معنى القول، و(لا) ناهية. ويصح أن تكون مصدرية، ولا ناهية أيضا على قول، ويصح أن تكون مخففة واسمها ضمير الشأن وفيه تكلف وبعد.
(٣) - سورة الحاقة الآيتان ٧، ٨.