ج ٣، ص : ٣٥٦
المفردات :
حم عسق تقرأ هكذا : حا ميم. عين سين قاف، بإدغام النون في القاف، وهي كأخواتها من الحروف التي بدأت بها السور إلا أن هنا جعلت حم آية، وعسق آية ثانية، والمعروف أن كل بدء السور آية واحدة مثل كهيعص أول سورة مريم، والمر أول سورة الرعد فلسائل أن يقول : لما ذا هذا التفريق ؟ والجواب أن ذلك مما استأثر اللّه بعلمه. وهو أعلم بكتابه يَتَفَطَّرْنَ : يتشققن حَفِيظٌ أى :
حافظ ومحص عليهم أعمالهم.
المعنى :
حم. عسق. كما أوحى إليك هذه السورة العظيمة الشأن الشريفة المقصد يوحى إليك غيرها من القرآن، ويوحى إلى الذين من قبلك الكتب القديمة « ١ »
فالكل من اللّه، ويهدف إلى دعوة الخلق إلى التوحيد والعدل وإثبات الرسالة عن اللّه، وتقرير مبدأ المعاد والثواب والعقاب، وإن شئت فاقرأ سورة الأعلى وختامها إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى تجدها تهدف إلى مبدأ التوحيد أولا ثم النبوة ثانيا، ثم المعاد ثالثا، ثم تختم بقوله : إن هذا لفي الصحف الأولى.
ومن الذي أوحى بهذه السورة وأخواتها في القرآن الكريم ؟ إنه هو اللّه - جل جلاله، وتباركت أسماؤه - العزيز في ملكه لا يغلبه غالب، القادر على كل شيء الحكيم في كل صنع، العالم بجميع المعلومات، الغنى عن الحاجات، سبحانه وتعالى لا إله إلا هو، له الملك، وإليه الأمر، في هذا الكون كله، سمائه وأرضه، فقدرته كاملة نافذة في جميع أجزاء السموات على عظمتها وسعتها إيجادا وإعداما، وتكوينا وإنشاء، وهو العلى المتعالي عما يقوله الظالمون، صاحب العظمة والأمر.
(١) الكاف في قوله : كذلك بمعنى مثل، وهي مفعول مطلق لقوله : يوحى، ولفظ (يوحى) فعل مضارع مستعمل في حقيقته بالنسبة لما سينزل من القرآن، وفي مجازه بالنسبة لما أنزل من القرآن والكتب السابقة، وفي العبارة تشبيه : المشبه هو ما سينزل من القرآن وما نزل سابقا منه ومن الكتب السابقة، والمشبه به هو هذه الصورة، ووجه الشبه أن الموحى به في كل يرجع إلى تقرير مبدأ التوحيد والنبوة والمعاد. وتقبيح أحوال الدنيا والترغيب في الآخرة.