ج ٣، ص : ٣٦٢
المعنى :
اللّه - سبحانه وتعالى - له مقاليد السموات والأرض شرع لكم من الدين، وسن وأوضح، ما وصى به نوحا والأنبياء أولى العزم، وأصحاب الشرائع القديمة، الخطاب لأمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم لبيان أن الرسالة المحمدية ليست بدعا من الرسالات، وهي موافقة لما جاء به الأنبياء السابقون في الأصول العامة، وما أمرهم اللّه به أمرا مؤكدا - كما يشير إلى ذلك لفظ وصينا - ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وتخصيص هؤلاء الأنبياء بالذكر لأنهم أولو العزم وأرباب الشرائع القديمة، ونوح أول رسول أرسل بشريعة موافقة لزمانه، وإبراهيم أبو الأنبياء، ويدين له أكثر العرب، وموسى نبي اليهود، وعيسى نبي المسيحيين.
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ ولعل إيثار الإيحاء عند الكلام على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم دون ما قبله وما بعده لأن فيه تصريحا برسالة محمد التي هي الأساس والمقصود، ولتوافق هذه الآية ما قبلها كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ والإشارة إلى الاعتناء به وبشريعته التي جمعت كل خير، وأتمت كل نقص، ولعل تقديمه في الذكر على من سبقه في الزمن من الرسل يشير إلى ذلك.
وما هذا الذي شرعه ؟ هو أن أقيموا الدين الحق، دين التوحيد والطاعة والتقديس للّه وعدم الإشراك به بأى صورة كانت من قرب أو من بعد، مع الإيمان برسل اللّه كلهم وكتبه واليوم الآخر وما فيه، والإيمان بالمثل العليا التي تبنى الفرد والأسرة والمجتمع، وإقامة الدين هو الإيمان الكامل والمحافظة عليه من الزيغ وزيف العقائد والمواظبة على كل ما يطلبه الشرع، ولا تتفرقوا فيه يا أمة الإسلام، حتى تكونوا كغيركم شيعا وأحزابا، وجماعات، بل الزموا سنة رسول اللّه والخلفاء الراشدين بعده، الزموا القرآن والسنة الصحيحة وروح الدين تكونوا الأمة الناجية يوم الحساب.
كبر على المشركين، وعظم ما تدعوهم إليه من التوحيد والهداية وترك الآثام والفسوق والإشراك باللّه أصناما وأوثانا!! وأنت يا محمد ثق بأن اللّه يجتبى إليه وإلى دينه من يشاء من خلقه الذين يعلم فيهم الصلاحية والخضوع للحق وقبوله، يعلم فيهم ذلك في عالم الأرواح، ويهدى إليه من