ج ٣، ص : ٣٦٤
والإيمان باليوم الآخر وبالأنبياء كلهم وبالكتب، أما الشرائع العملية فتختلف باختلاف الأمم وعصورها لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [سورة المائدة آية ٤٨].
فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم الباطلة، وقل لهم : آمنت بما أنزل اللّه من الكتب كلها، وأمرت لأعدل بينكم في كل شيء، وأحكم بينكم بالحق، اللّه ربنا وربكم، لنا أعمالنا لا يتخطانا ثوابها ولكم أعمالكم لا يتخطاكم ثوابها آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ « ١ »
تلك هي الحقائق الإسلامية التي جاء بها محمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
فهل بعد هذا الإيمان الصريح الكامل الذي لا يفرق بين نبي ونبي ولا بين كتاب وكتاب مع التوحيد الخالص البريء من الشرك وشوائبه هل بعد هذا تكون حجة ؟
لا حجة ولا احتجاج ولا خصومة بيننا وسيحكم بيننا وبين غيرنا إذا لم يبق بعد ذلك إلا المكابرة والعناد، ومع كل فاللّه يجمع بيننا بالعدل، وإليه وحده المصير والمآب، والذين يحاجون في اللّه وصفاته من بعد ما استجاب له الناس، ودخلوا في دينه أفواجا، حجتهم - بل في الواقع أوهامهم وأباطيلهم - داحضة عند ربهم وزائلة وباطلة، وعليهم غضب لمكابرتهم في الحق بعد ظهوره، ولهم عذاب شديد هوله عظيم وقعه.
اللّه الذي أنزل الكتاب الكامل الجامع المهيمن على غيره من الكتب، وهو القرآن متلبسا بالحق بعيدا عن الباطل، وأنزل الميزان ليحكم بالعدل والقسطاس المستقيم، وما يدريك لعل الساعة تكون قريبة.
يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها من الكفار، لأنهم يظنون أنها أوهام لا حقائق لها، والذين آمنوا بها، واعتقدوا بوجودها مشفقون منها وخائفون من مواقفها المشهودة التي تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللّه شديد وكيف لا يشفقون منها، وهم يعلمون أنها الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ألا إن الذين يمارون في الساعة ويشكون فيها لفي ضلال بعيد حيث لم يعملوا لها، واللّه لطيف بعباده يفيض عليهم بجلائل نعمه التي لا يعلمها إلا هو يرزق من يشاء من عباده بما يحب، وهو القوى العزيز، فلا غرابة في أن يخص بعض عباده بألطاف إلهية.
(١) - سورة البقرة آية ٢٨٥.