ج ٣، ص : ٣٦٧
وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس ٧ - ١٠] وروى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :« من أصبح وهمّه الدّنيا شتّت اللّه - تعالى - عليه همّه وجعل فقره بين عينيه، ولم يؤته من الدّنيا إلّا ما كتب له، ومن أصبح وهمّه الآخرة جمع اللّه همّه وجعل غناه في قلبه وأتته الدّنيا وهي راغمة عن أنفها ».
وهذا هو أساس الدعاء وأصل الضلالة والشقاء يكشف عنه القرآن. حيث يقول :
بل ألهم شركاء شرعوا لهم من الدين شيئا لم يأذن به اللّه، ولا شرعه ولا سنه، ولم يأت نبي أبدا يوصى به، وشركاؤهم أصنامهم وأوثانهم وشياطينهم الذين زينوا لهم الشرك وإنكار البعث والوقوع في المعاصي، ولما كانت الشركاء سببا في ذلك جعلت كأنها شارعة لضلالتهم وآمرة بها.
ولو لا كلمة الفصل والقضاء العدل الذي حكم اللّه به على نفسه حيث قال : وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [سورة الأنفال آية ٣٣] لو لا هذا لقضى عليهم بالفناء كما فعل مع غيرهم، وقيل : المراد الفصل بين المؤمن والكافر.
وإن الظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي لهم عذاب أليم في الآخرة. ولو ترى - يا من تتأتى منه الرؤية - إذ الظالمون يوم القيامة مشفقون مما كسبوا من أعمال في الدنيا حيث يرون ما أعد لهم من عذاب شديد. وهو واقع بهم لا محالة، وهذا الإشفاق لا يغنى عنهم شيئا.
والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنة، أى : مستقرون في أطيب بقاعها وأعلى منازلها لهم فيها ما يشاءون، وما يتمنون عند ربهم، ذلك هو الفضل الكبير، وأى فضل يدانيه ؟ إنه فضل لا يعرف قدره ولا يقف على كنهه إلا خالقه.
ذلك الفضل الكبير هو الذي يبشر اللّه به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويعدهم به، ومن أصدق من اللّه حديثا ؟
والناس لتوغلهم في المادة وتعلقهم بالدنيا، ولأنهم لا يعملون إلا لغرض يظنون الظن السيّئ بمن يقوم بعمل الخير. ويدعو إلى العمل الصالح، هؤلاء الناس دائما ينسبون أعمال الناس إلى غايات ومنافع دنيوية، وقديما وصفوا دعوة النبي بهذا، فيرد اللّه عليهم


الصفحة التالية
Icon