ج ٣، ص : ٣٨٤
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً « ١ »
أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ ؟ على معنى أنهملكم فننحى « ٢ »
عنكم الذكر، أى : القرآن ونبعده ؟ ! لا. لن يترككم اللّه أبدا بل سيظل ينزل عليكم القرآن ويهديكم إلى سبيل الرشاد فربما جاء منكم قوم يؤمنون باللّه ورسوله، وقد كان فهدى اللّه بعضهم، ودخل الناس في دين اللّه أفواجا، وأتم اللّه النعمة وأكمل الدين ورضيه للناس دينا أساسيا هو دين الحق.
ولا تعجب يا محمد من حالهم فتلك سنة اللّه في الخلق جميعا من يوم أن خلق اللّه الخلق إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها، وكثيرا من الرسل أرسلناهم في الأمم السابقة، وما أتاهم من رسول أو نبي إلا كانت أمته تكذبه وتستهزئ به، فنملى لهم نوعا ما حتى إذا استيأس الرسل أهلكناهم، ف أهلكنا من الأمم أقواما أشد من أمتك بطشا وقوة فلم يغن عنهم شيئا، وسبق في القرآن كثيرا ذكر أخبارهم التي أضحت كالمثل في الغرابة، فانظروا يا آل مكة كيف يكون موقفكم ؟ واحذروا بطش العزيز الجبار إن بطش ربك لشديد!!
من نعم اللّه علينا [سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٩ الى ١٤]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣)
وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)
(١) - صفحا مفعول مطلق لنضرب من غير لفظه كقولك : قعدت جلوسا فإن تنحيته الذكر إعراض.
(٢) - يقول علماء البلاغة : في هذه الآية استعارة تمثيلية. شبه حال الذكر وقد نحى عنهم بحال غرائب الإبل. وقد نحيت عن الحوض إذا دخلت مع غيرها للشرب ثم استعمل اللفظ الدال على المشبه به في المشبه، وقيل : إنها استعارة تبعية في نضرب بمعنى ننحى.