ج ٣، ص : ٣٩٣
لا يستحقها إلا رجل شريف، والشرف عندهم وليد المال، لذلك أنكروا على محمد بن عبد اللّه الرسالة، ولكن اللّه يرد عليهم فيفحمهم بقوله : أهم « ١ »
يقسمون رحمة ربك ؟ ! أنكر عليهم أنهم يقسمون رحمة اللّه وفضله على الناس، وأنى لهم ذلك ؟ وهم أجهل الناس بأنفسهم فكيف يعرفون غيرهم ويعطونه حقه من الفضل ؟ ! نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا. وأعطينا هذا مالا وذاك أولادا، وهذا مالا ورجالا، وذلك فقير من المال والرجال. وكذلك في الصحة والنعم الأخرى، وكان العطاء والمنع لحكم اللّه يعلمها، لا لشيء آخر.
ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات في الفضل والجاه وغيره فكانت النتيجة أنهم اتخذ بعضهم بعضا سخرياّ! كل يخدم نفسه، وإن كان في الظاهر يخدم غيره، ورحمة ربك الشاملة للنبوة وغيرها خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني.
هذه الدنيا وما فيها من أموال لا تزن عند اللّه جناح بعوضة، ولو كانت تزن لما أعطى الكافر منها جرعة ماء، وهي سجن المؤمن ومتاع غيره، والآخرة خير وأبقى، ولو لا أن يكون الناس أمة واحدة على ديدن الكفر لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم « ٢ »
سقفا من فضة، ومعارج من فضة كذلك عليها يعرجون ويصعدون، ويجعلون لبيوتهم أبوابا ولهم سرر عليها يتكئون وتكون من فضة خالصة، ويجعل لهم زينة في أثاثهم ومتاعهم وقصورهم ومراكبهم تتناسب مع كل زمان ومكان.
لو لا أن يكون الناس كفارا لميلهم إلى الدنيا وزخارفها بطبعهم لجعل اللّه لهم ذلك هوانا للدنيا، وتحقيرا لشأنها، وأنها متاع فان لا قيمة له، ولذا قال ما معناه : وإن كل ذلك « ٣ »
إلا متاع الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى، والجنة ونعيمها الدائم قد أعدت عند ربك للمتقين.
ولا عجب في ذلك فإن من يعش عن ذكر الرحمن، ويتعام عن النظر في القرآن ويصم أذنيه عن سماع الحق يقيض اللّه له شيطانا، ويهيئ له ذلك لأنه آثر العمى على
(١) - الاستفهام هنا للإنكار والتعجب.
(٢) - لبيوتهم بدل من لمن يكفر بالرحمن.
(٣) - هذا الحل المعنوي يشير إلى أن لما بمعنى إلا، وإن بمعنى ما النافية، وفي قراءة : لما بالتخفيف، وعليه فما زائدة أو موصولة وصدر الصلة محذوف، وأن هي المخففة من الثقيلة.