ج ٣، ص : ٣٩٩
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسرى بها السارى
فلما لم يؤمنوا أخذهم ربك بالسنين، وأصابهم بنقص الزرع وقلة الضرع وسلط عليهم القمل والضفادع والدم.. إلخ، لعلهم يرجعون ويثوبون إلى رشدهم.
وقالوا لما رأوا الآيات تترى عليهم، وسخط ربك حالا بهم : يا أيها الساحر، قيل :
هو خطاب تعظيم عندهم - ادع لنا ربك بما عهد عندك من النبوة لئن كشفت عنا العذاب الذي نزل بنا لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل، وإننا لمهتدون إلى الصواب وإلى الحق الذي تدعو إليه، فلما كشفنا عنهم العذاب فاجأوا الكشف عنهم بأنهم ينكثون العهود وينقضون المواثيق.
هذا ما كان من أمر القوم وخاصة الملأ منهم، أما فرعون ملك مصر فها هي ذي أعماله : ونادى فرعون في قومه بأن جمعهم في مكان واحد كالسوق مثلا، أو جمع أشرافهم وهم بلغوا عنه فكأنه نادى فيهم جميعا، فماذا قال ؟ قال : يا قومي أليس لي ملك مصر « ١ »
؟ وهذه الأنهار - فروع نهر النيل - تجرى من تحتي، وتسير بأمرى، وأنا صاحب التصرف في كل ما ينتج عن جريها من مزروعات وغيرها. وعلى أنها كانت تجرى من تحت قصره، أفلا تبصرون تلك الحقائق ؟ بل تبصرون أنى أنا خير من هذا الذي هو فقير وضعيف مهين يمتهن نفسه في قضاء مصالحه بنفسه ولا يكاد يبين ويفصح عن حجته بقوة وذلاقة لسان، وحسن تصرف يا سبحان اللّه!! هذه حجة فرعون الطاغية، وهي مشابهة تماما لحجة مشركي مكة، والعاقبة والنهاية واحدة.
فهلا ألقى عليه أسورة من ذهب تجيء له من قبل ربه الذي يدعى أنه رب السموات والأرض!! أو تجيء مع موسى الملائكة كما يدعى متعاونين مجتمعين ليؤيدوه ويدفعوا عنه!! هكذا لا يؤمن بعقله بل يؤمن إذا رأى ببصره!! فاستخف قومه فأطاعوه بمعنى أنه طالبهم بالخفة والسرعة في الإجابة لما يطلب فأطاعوه لخفة عقولهم وسوء تفكيرهم، ولا غرابة في ذلك إنهم كانوا قوما فاسقين.
فلما آسفونا وأغضبونا وأسخطونا بأعمالهم السيئة التي لم يرتدعوا عنها رغم كثرة التنبيه وتوالى النذر، فلما آسفونا انتقمنا منهم بعذاب بئيس فأغرقناهم أجمعين، ونجى

_
(١) استفهام المراد منه التقرير، أى : قروا بما تعرفونه من أنى ملك مصر.


الصفحة التالية
Icon