ج ٣، ص : ٤٠٢
اللّه صالحا فإن كان في النار فقد رضينا أن نكون وآلهتنا مع عيسى ابن مريم، وقد فرحت قريش بهذه المحاجة وضحكوا وارتفعت أصواتهم، وهذا المعنى قوله تعالى : إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ.
وقالوا تمويها بالباطل الذي يغتر به ضعاف العقول : أآلهتنا خير أم عيسى ؟ أى أآلهتنا عندك خير أم عيسى الذي هو خير كما تزعم في النار فلا بأس أن تكون آلهتنا معه.
ما ضربوا لك هذا المثل إلا مجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، وأنى لهم ذلك ؟ بل هم قوم خصمون شديد والخصومة والجدال، يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم، ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وكيف يدخل عيسى في عداد ما هو حصب جهنم كما تدعون وتضربون به الأمثال ؟
ما عيسى إلا عبد من عباد اللّه أنعمنا عليه بالنبوة فهو مرفوع القدر والمكانة، ولكنه لا يستحق العبادة والتقديس لأنه عبد اللّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وقد جعلناه مثلا، أى : أمرا غريبا حقيقا بأن يسير مسيرة الأمثال لأنه خلق من غير أب إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ جعلناه مثلا وأرسلناه لبنى إسرائيل، وكانت معجزاته إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، ومع هذا كله فهو لا يستحق العبادة. وإنما يستحق العبادة القادر الموجد المحيي المميت الذي خلق عيسى وغيره، ولو يشاء لجعل بدلكم ملائكة في الأرض يخلفونكم في عمارتها فهو على كل شيء قدير، ولو يشاء لجعل منكم يا رجال مكة ملائكة مع أنها ليست من جنسكم كما خلق عيسى بلا أب، ملائكة تخلفكم في عمارة الأرض كما تخلفكم أولادكم لتعلموا أن اللّه هو القادر، ولتعلموا أن الملائكة خلق من خلق اللّه فكيف يعبدون ؟ وبأى شكل تقولون إنهن بنات اللّه ؟ وإن عيسى سينزل آخر الزمان كما نطق بذلك صريح الأحاديث في الكتب الصحاح، وإن نزوله لعلم للساعة إذ هو من أشراطها أى علاماتها، أو أن خلقه بلا أب أو إحياءه الموتى في معجزاته دليل على إمكان الساعة وصحة البعث. فلا تشكن فيها واتبعونى يا أمة محمد، وقيل : إنها من كلام عيسى لأمته، هذا صراط مستقيم، ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو ظاهر العداوة.
ولما جاء عيسى بالآيات التي تدل على صدقه، وأنه رسول اللّه إلى بنى إسرائيل قال لهم : قد جئتكم بالحكمة وأصول الدين العامة كتوحيد اللّه، وإثبات اليوم الآخر