ج ٣، ص : ٤٠٥
المعنى :
يبين اللّه - سبحانه وتعالى - أن في طبع الإنسان وغريزته استشارة غيره وخاصة في مهمات الأمور، وقد كان الناس يتشاورون في شأن الدعوة الإسلامية فمنهم من كان صديقه وخليله يدعوه إلى الخير ويحثه على سلوك الطريق المستقيم، ومنهم من كان صديقه وخليله يدعوه إلى الشر ويحثه عليه، فإذا رأى يوم القيامة أن عمله كان خطأ، وأن مشورة خليله كانت وبالا عليه أنحى باللائمة على صديقه، بل يصير عدوا من ألد أعدائه، وينسب إليه كل أفعاله طالبا من اللّه عقابه أشد العقاب، وقد قص القرآن علينا صورا كثيرة مما سيحصل بين التابعين والمتبوعين والقادة والعامة.
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، فإنهم يظلون على صداقتهم التي أنتجت لهم الخير، وهدتهم إلى الحق، فهم على سرر متقابلون، وعلى الأرائك ينظرون. وقد نزع اللّه ما في صدورهم من غل، ويقال لهم تطمينا وتثبيتا : يا عبادي لا خوف عليكم فيما مضى ولا أنتم تحزنون في المستقبل، ويقال لهم تكريما : ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم حالة كونهم مسرورين، ويطاف عليهم بصحاف من ذهب، وأكواب من فضة، فيها من الشراب والطعام ما لا عين رأته.
روى الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم هل في الجنة من إبل ؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :« إن يدخلك اللّه الجنّة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذّت عينك »
نعم في الجنة ما تشتهيه الأنفس، وتلذه الأعين من كل شيء لا يقع تحت الوصف، ولا يدركه العقل، فإن ذكر طرف منه فتقريب للخيال، وتصوير لبعض ما هنالك
« فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر »
وأنتم أيها المؤمنون مع هذا فيها خالدون، ويقال لكم : تلك الجنة التي استحققتم متاعها كما يستحق الوارث ميراثه بسبب ما كنتم تعملون، لكم فيها فاكهة، ولكم فيها ما تدعون.
هذا هو الوعد الذي وعده اللّه للمتقين، وأما وعيد الكافرين فها هو ذا : إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون إلى ما شاء اللّه، عذاب دائم مقيم، لا يخفف عنهم فيها بل هم فيها ماكثون، وهم من رحمة اللّه آيسون وساكتون، وما ظلمهم ربك، ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي.