ج ٣، ص : ٤٢٣
المعنى :
حم. تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم لا من عند غيره إذ لو كان من عند غيره ثم نسبه إليه جل شأنه لخسف به وبداره الأرض لأنه هو العزيز الغالب الذي لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [سورة الحاقة الآيات ٤٤ - ٤٧].
وكيف يكون من غيره ؟ وهو في منتهى الحكمة والضبط ونهاية الإعجاز وبلوغ القصد في كل نواحيه، فهو حقا من حكيم عليم، ولا يمكن أن يكون من إنسان أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [سورة النساء آية ٨٢] تلك دلائل دالة على أن هذا القرآن تنزيله من اللّه العزيز الحكيم.
إن في عالم السماء وعالم الأرض لآيات دالة على وجود اللّه وأنه متصف بكل كمال ومنزه عن كل نقص، وأنه سبحانه هو الواحد القهار، وتلك آيات ينتفع بها المؤمنون وإن كانت لكل الناس أجمعين هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ.
[البقرة ١٨٥] وإن في خلقكم أيها الناس من تراب ثم من نطفة قذرة فعلقة فمضغة إلى أن صار الواحد إنسانا حيا كاملا، وفي خلق ما يبثه اللّه في الأرض وينشره من دابة تدب على الأرض لآيات وشواهد صدق على وجود اللّه ووحدانيته، ولكن لقوم يوقنون.
وإن في اختلاف الليل والنهار بالطول والقصر، وتعدد مشارق الشمس ومنازلها واختلاف الفصول بسبب خطوط العرض والطول، وفي اختلاف الليل والنهار بحلول كل مكان الآخر، وما أنزل اللّه من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها بالنبات الأخضر اليانع، والثمر المختلف الأنواع والألوان والأشكال، وتصريف للرياح وتقليبها من حارة إلى باردة، من شمالية إلى جنوبية، أليس كل ذلك آيات ناطقة على وجود اللّه وقدرته ووحدانيته ؟ ! ولكن لقوم يعقلون.
ولعل سائلا يسأل ويقول : ما بال القرآن الكريم قال أولا : آيات لقوم يؤمنون، ثم لقوم يوقنون، ثم لقوم يعقلون ؟ وهل لهذا حكمة أم لا ؟