ج ٣، ص : ٤٣٠
فيما كانوا فيه يختلفون مع النبي وصحبه، وعلى هذا فصاحب النعم يجب ألا يغير بما عنده من نعم مهما كانت، بل دائما يراقب اللّه، ويعلم أن ما أوتى من خير فعليه شكره لا كفره.
ولما بين اللّه - تعالى - إعراض بنى إسرائيل عن الحق لأجل البغي والحسد أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يعدل عن تلك الطريقة، وأن يتمسك بالحق فقط فقال : ثم جعلناك يا محمد أنت وأمتك على شريعة من الأمر، أى : على طريق واضح، ومنهل عذب ومورد كريم، به تحيا النفوس كما تحيا الأجساد بالماء، فاتبعها فإنها شريعة الحق والعدل والخير في الدنيا والآخرة، إنها شريعة ثابتة مؤيدة بالحجة والبرهان القوى، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون، فإنهم لا حجة معهم ولكنها جهالات وأهواء ليست على أساس.
إنهم لن يغنوا عنك من عذاب اللّه شيئا، ولن يدفعوا عنك ألما، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، أما المسلمون فاللّه وليهم وهو هاديهم يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يهدده ربه بأنه لن ينفعه أحد لو انحرف عن الشريعة فما بالنا نحن ؟ ! هذا القرآن بصائر للناس، ففيه دلائل واضحة تبين لهم المعالم وتهديهم إلى الخير بمنزلة البصائر في القلوب التي تنير الطريق لصاحبها، وهو هدى ورحمة ولكن لقوم يوقنون.
بل أحسب الذين اكتسبوا الآثام واقترفوا الذنوب أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، لا ينبغي أن يكون ذلك ولا يصح أن نسوى بينهم في شيء، أحسبوا أن نجعلهم مثل الذين آمنوا وعملوا الصالحات مستويا حياتهم ومماتهم، ألا ساء ما يحكمون! وهذا تهديد عام لكل من خرج على الدين، ولم يمتثل أمره، بأنه ليس من العدل أن يسوى بينه وبين من سار على الصراط المستقيم، واللّه جل شأنه خلق السموات والأرض بالحق، ولو لم يوجد دارا أخرى للثواب والعقاب لما كان خلقه السموات والأرض بالحق، فإن العالم فيها بين غنى وفقير، ومريض وصحيح، وفرح ومحزون، فلا بد إذن من حياة يثاب فيها المؤمن على إيمانه في الدنيا، فربما كان فيها فقيرا مريضا ممتحنا بالبلاء ولقد صدق اللّه حيث يقول : خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ « ١ » فلو ترك الظالم الذي ظلم غيره في الدنيا، ولم
(١) - سورة الجاثية آية ٢٢.