ج ٣، ص : ٤٥٩
دعوته الناس إلى الإسلام بلا إكراه ولا قتال : لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ [سورة البقرة آية ٢٥٦] ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [سورة النحل آية ١٢٥] وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [سورة ق آية ٤٥].
وجاءت آيات في القرآن تدعو إلى القتال وتحث عليه، فعلى أى وجه نفهمها ؟ نعم وردت آيات القتال لتنظيم تلك الغريزة الفطرية المطبوع عليها الخلق منذ بدء الخليقة ووضع حدود ثابتة لها، وتوجيهها الوجهة الصالحة، لتكون أداة تعمير لا تخريب.
فرسالة الإسلام إذا لم تحمل الناس على ظبا السيوف، ولم يعتنقها بعضهم تحت ظلال الحراب، وإنما كان طريق الإسلام دائما دعوة رقيقة وموعظة حسنة، مع دعم الرأى بالحجة والبرهان الناصع، فمن قبل الدعوة الإسلامية كان من المسلمين له ما لهم، وعليه ما عليهم، لا فضل لعربي على أعجمى إلا بالتقوى، والناس سواء، كلكم لآدم وآدم من تراب، ومن أبى الدخول في الإسلام فرضت عليه الجزية دليلا على إذعانه، وبرهانا على حسن نيته للمسلمين وتمهيدا لهدايته فعسى أن يشرح اللّه صدره للحق والخير ويدخل في الإسلام هو أو ابنه من بعده، ومساهمة منه في جيش الدولة التي تحميه، ومن لم يقبل الدعوة ورفض أن يدفع الجزية وجب قتاله، وليس ذلك اعتداء بل ردا لخطر لا شك في وقوعه، وتأمينا للدعوة.
فالإسلام لا يطالبنا بأن نقاتل أهل الكتاب أو الوثنيين أو المجوس مثلا من غير سبب، وإنما يطالبنا بأن ندعوهم إلى الإسلام فإن تركونا أحرارا في بث الدعوة وإقامة البراهين عليها فلا نقاتلهم، وإن قاوموا الدعوة أو اعتدوا على الدعاة قاتلناهم تقريرا لمبدأ الحرية الدينية وحماية للدعوة وكفا لأذاهم، وقد طبق الإسلام هذا المبدأ مع المخالفين جميعا كتابيين ووثنيين، فكان يعرض عليهم أولا الدخول في الإسلام فإن قبلوا ذلك كانوا كالمسلمين، وإن رفضوا هذا العرض وتمسكوا بمعتقداتهم مع ترك الدعاة أحرارا وجب على المسلمين ألا يقاتلوهم أو يعترضوهم في شيء فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [سورة النساء آية ٩٠].
فإن لم يقبلوا الإسلام واعترضوا دعوته وآذوا دعاته ونقضوا عهودهم كان ذلك إعلانا منهم بالمناوأة، وهؤلاء نطالبهم بالجزية دليلا على الخضوع وكف الأذى، فإن دفعوها أصبحوا رعية للدولة الإسلامية عليها حمايتهم ورعايتهم وتأمينهم على أموالهم


الصفحة التالية
Icon