ج ٣، ص : ٤٦٧
المعنى :
ومن الناس الذين حقت عليهم كلمة ربك، وصاروا من أصحاب النار قوم يستمعون إليك بآذانهم، حتى إذا خرجوا من عندك، وانتهى مجلسهم معك، قالوا للذين أوتوا العلم والفهم الصحيح : ماذا قال آنفا ؟ ماذا قال في تلك الساعة القريبة ؟ لم يقل شيئا يعتد به، وما قال إلا أخلاطا وأحاديث لا خير فيها.
أولئك هم الذين طبع اللّه على قلوبهم حتى لا يفقهوا شيئا مما قلت، وختم عليها حتى لا يدخلها نورك الوضاح، فهؤلاء تركوا اتباع الحق فأمات اللّه قلوبهم فلم تفهم ولم تعقل فعند ذلك اتبعوا أهواءهم.
ويقابل هؤلاء - والإشارة للتحقير والتوغل في الضلال - الذين اهتدوا إلى طريق الحق، وزادهم اللّه - عز وجل - هدى بالتوفيق والإلهام والعمل الصالح، وآتاهم تقواهم بأن خلق فيهم قدرة على التقوى وفعل الطاعة جازاهم على ذلك.
فهؤلاء الذين طبع اللّه على قلوبهم فلم يسمعوا الخير ولم يهتدوا به، هل ينظرون إلا أن تأتيهم الساعة فجأة، على معنى : هؤلاء لم يتذكروا بأحوال الأمم الخالية، ولم يتعظوا بما ينزل عليهم من أنباء الساعة وأهوالها. فهم ما ينتظرون إلا إتيان الساعة نفسها بغتة.
فقد جاء أشراطها وعلاماتها، وإذا كان الأمر كذلك فكيف لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة ؟ ومن أين لهم التذكر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة بغتة ؟ ! إذا علمت ذلك فاثبت على ما أنت عليه، ودم على العلم بوحدانية اللّه والإيمان بالبعث، واعلم أنه لا إله إلا اللّه، فإن ذلك هو النافع المنجى يوم لا ينفع مال ولا بنون.
واستغفر لذنبك، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات، واللّه يعلم تقلبكم في الدنيا وتصرفكم فيها، ويعلم مكان استقراركم في الآخرة، وسيثيبكم على ذلك كله فإنه لا تخفى عليه خافية.
أما أمر النبي بالاستغفار فقيل : لتستن به أمته وتقتدى به فإذا كان هو مأمورا بالاستغفار وهو المعصوم فكيف بنا نحن ؟


الصفحة التالية
Icon