ج ٣، ص : ٤٨٢
عاهدوا النبي على الثبات في محاربة الكفار، وعاهدهم النبي على ضمان الجنة لهم، فأطلق المبايعة على المعاهدة « ١ » التي عقدها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مع المسلمين، وهي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة بالحديبية - قرية بينها وبين مكة حوالى مرحلة، وهي في حدود الحرم. نَكَثَ : نقض البيعة. أَوْفى بِما عاهَدَ يقال : أوفى ووفى بالعهد : إذا أتمه.
المعنى :
إنا أرسلناك يا محمد شاهد صدق تبلغ الدعوة الإلهية لإنقاذ البشرية، وتبشر من اهتدى إلى الصراط المستقيم بجنة عرضها السموات والأرض، وتنذر من حاد وتردى في الهوى وسلك سبيل الغي والضلال لتنذره بجهنم ونارها التي أعدت للكافرين وإنما فعل ذلك ربكم لتؤمنوا باللّه ورسوله، وتعزروه وتنصروا رسوله، وتوقروه وتعظموه، وتسبحوه وتنزهوه وتصلوا له - سبحانه - بكرة وأصيلا في الغداة والعشى، وهما طرفا النهار، وما بينهما تبع لهما، ولا شك أن نصرة رسول اللّه نصرة للّه، والتفانى في تبليغ دعوة اللّه من أكبر الدواعي لرضا اللّه ورضا رسوله، وهذا كله يتطلب من المسلمين عقد العهود، وتأكيد المبايعة مع النبي على نصرة دينه مهما كلفهم ذلك، وقد كان ذلك، وتعاهد المسلمون وعقدوا معه بيعة الرضوان.
ولما بين اللّه أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى اللّه بإذنه وسراجا منيرا لينقذ البشرية من جهالتها، ويرفعها من وهدتها، ومن كانت هذه منزلته عند اللّه يكون من بايعه في الظاهر فقد بايع اللّه حقيقة وفي الواقع، ومن بايع رسول اللّه على ألا يفر في القتال حتى ينصر اللّه دينه أو يستشهد في سبيل ذلك إنما كان يقصد بذلك رضا اللّه ورسوله وثواب جنته إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ فالرسول سفير محض بين اللّه وبين أوليائه من المؤمنين يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ وهذا استئناف مؤكد لما تضمنه الكلام السابق من أن مبايعة الرسول مبايعة للّه.
(١) - هذا الإطلاق على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، ووجه الشبه : اشتمال كل على المبادلة.