ج ٣، ص : ٤٨٧
قد حكم بأنكم لا تتبعون النبي، وأن غنائم خيبر لمن شهد الحديبية فقط ولما كان هؤلاء المنافقون لا يعتقدون شيئا من هذا، بل يظنون أن هذه حيل يحتال بها المسلمون حتى يفوتوا عليهم غنائم خيبر، وما دفعهم إلى ذلك إلا الحسد والبغضاء قالوا - أى :
المنافقون المتخلفون - : بل « ١ » تحسدوننا فليس الأمر كما تدعون بل إنما قلتم هذا حسدا وبغيا علينا، هذا ما كان منهم، وقد رد اللّه عليهم مضربا عن كلامهم مبينا أنهم قوم لا يفقهون من أمر دينهم إلا قليلا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ولذا تراهم يخادعون اللّه ورسوله، وما يخادعون إلا أنفسهم، وما يشعرون قل يا محمد لهؤلاء المتخلفين :
ستدعون إلى محاربة قوم أولى بأس شديد، والظاهر - واللّه أعلم - أنهم المرتدون بعد موت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهم بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب، وقد دعا أبو بكر خليفة رسول اللّه المسلمين - ومنهم هؤلاء المتخلفون - إلى قتالهم حتى يسلموا، والمشركون من العرب والمرتدون هم الذين يقاتلون حتى يسلموا، ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف بخلاف غيرهم من المشركين والوثنيين والمجوس وأهل الكتاب فإنه يقبل منهم الإسلام أو الجزية أو القتال، وهذا رأى أبى حنيفة بخلاف الشافعى، والحق مع أبى حنيفة.
أيها المتخلفون : إن تطيعوا اللّه وأمر إمامكم يؤتكم أجرا حسنا، ويقبل منكم التوبة، وإن تتولوا وتعرضوا كما أعرضتم سابقا يعذبكم اللّه عذابا أليما فهذه فرصة لكم فاهتبلوها بتوبة خالصة صادقة.
وهذه رحمة الإسلام لا يحاسب إلا القادر، ولا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها، ولذا يقول : ليس على الأعمى حرج، وليس عليه ذنب أو إثم في تخلفه عن رسول اللّه، وليس على الأعرج حرج كذلك، ولا على المريض حرج أيضا في ترك الجهاد حيث لا قدرة له عليه، تلك أعذار مقبولة، واللّه - سبحانه - هو العليم بذات الصدور، وصدق رسول اللّه « إنّما الأعمال بالنّيّات وإنّما لكلّ امرئ مّا نوى ».
وهناك القانون العام الذي يجمع الخلائق كلها حتى لا يكون عذر لمعتذر : من يطع اللّه ويطع رسول اللّه في كل أمر ونهى يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار، جنات عرضها السموات والأرض، ومن يتول معرضا عن أمر اللّه ورسوله مؤثرا نفسه وهواه يعذبه عذابا أليما، ويدخله جهنم، وساءت مصيرا..
(١) - بل هنا للإضراب في الموضعين.