ج ٣، ص : ٥١٤
صاحب الفضل، وصاحب الطول، ولا حول لأحد عنده ولا قوة، إليه يرجع الأمر كله وكل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون.
٢ - وآمنوا برسوله محمد صلّى اللّه عليه وسلّم على أنه خاتم الرسل وإمامهم، وأنه المبلغ عن ربه كل شيء، وأنه عبد اللّه ورسوله إلى الناس جميعا، وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى.
٣ - ثم لم يرتابوا في شيء بل كان إيمانهم عن عقيدة ثابتة، ويقين كامل لا تزعزعه العواصف، ولا تدفعه الرياح، آمنوا باللّه ورسوله لأنه حق وواجب بقطع النظر عن أى شيء آخر لم يكن إيمانهم لغرض، فإن أعطوا منه رضوا، وإن لم يعطوا منه إذا هم يسخطون، ومن هنا كان نفى الريب والشك درجة عليا تناسب ذكر (ثم) معه.
٤ - الجهاد في سبيل اللّه بالأموال والأنفس محك الإيمان ودليله، وعنوانه وأساسه، فليس الإيمان دعوى تردد باللسان، ولا خداع بالكلام، وإنما هو جهاد للنفس وللعدو ولأعداء الإسلام، ودعوته جهاد في سبيل اللّه فقط ولإعلاء كلمة اللّه فقط لا لدنيا يصيبها أو لغرض يحققه، ولقد سئل صلّى اللّه عليه وسلّم عن الرجل يقاتل شجاعة. ويقاتل حمية، ويقاتل رياء : أى ذلك في سبيل اللّه ؟
فقال :« من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا فهو في سبيل اللّه »
ومعنى كون كلمة اللّه هي العليا أن يكون الناس أحرارا في أن يدينوا بدين اللّه وأن يدعوا إلى سبيل اللّه، لا يمنعهم من ذلك مانع.
أولئك الموصوفون بما ذكرهم الصادقون في إيمانهم ودعواهم لا هؤلاء الأعراب من بنى أسد.
روى أنه لما نزلت تلك الآية التي تقضى بتكذيبهم جاءوا وحلفوا أنهم مؤمنون وصادقون فنزلت هذه الآية أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ
لتكذيبهم وتسفيه عقولهم إذ هم يخاطبون الرسول الذي يستقى علمه من علام الغيوب العليم بذات الصدور فكيف تنطلى الأكاذيب عليه، وهو يعلم كل ما في السموات، وما في الأرض، وهو بكل شيء عليم.
يمنون عليك أيها الرسول أن أسلموا، سمى اللّه ما أظهروه إسلاما، ونفى أن يكون إيمانا كما زعموا، قل لهم يا محمد : لا تمنوا على إسلامكم، وفي إضافة الإسلام لهم معنى