ج ٣، ص : ٥١٨
وفي وصف القرآن بالمجيد بيان لاشتماله على المكارم الدينية والدنيوية التي تكفل السعادة لمن اتبعها في الدارين، ولعل وصف القرآن بذلك لأنه كلام الإله المجيد الرحمن الرحيم ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ...
هؤلاء الكفار عجبوا لأن جاءهم رسول منهم ينذرهم بالبعث، فأنكر اللّه عليهم تعجبهم مما ليس بعجب « ١ »، وهو أن ينذرهم رجل منهم قد عرفوا فيه العدالة والصدق والأمانة حتى لقبوه بالأمين، ومن كان كذلك لم يكن إلا ناصحا لقومه عطوفا عليهم رائدا لهم غير كاذب عليهم - كما أقروا له بذلك قبل البعثة - ومثل هذا الرجل إذا رأى خطرا عليهم أنذرهم به، والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنذرهم بما هو غاية في المخاوف، ونهاية في المتاعب لو ظلوا على شركهم، واللّه - سبحانه وتعالى - ينكر عليهم تعجبهم مما أنذرهم به من البعث مع علمهم بقدرة اللّه - تعالى - على خلق السموات والأرض وما بينهما، وإقرارهم له بأنه خلق العالم أولا، والعقل شاهد عدل بإمكان البعث بل لا بد منه ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالحسنى، وليجزي الذين أساءوا بالسوء.
فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْ ءٌ عَجِيبٌ وتلك حكاية لتعجبهم « ٢ » والإشارة لكونه صلّى اللّه عليه وسلّم منذرا بالقرآن، والكلام عن هؤلاء الكفار أولا بالإضمار في قوله : بَلْ عَجِبُوا ثم بالإظهار في قوله : فَقالَ الْكافِرُونَ للإشارة إلى تعيينهم بما أسند إليهم أولا، والتسجيل عليهم بالكفر ثانية.
ثم أكدوا تعجبهم من الإيمان بالبعث فقالوا : أإذا متنا وكنا ترابا نبعث ؟ !! أى : حين نموت ونصير ترابا نرجع ؟ إن ذلك رجوع بعيد جدّا عن الأوهام والعقول والواقع.
ترى أن أساس إنكارهم للبعث وتعجبهم منه أنهم يظنون أن إعادة الجسم بعد التفرق والانحلال والصيرورة إلى تراب أمر بعيد جدّا بل هو محال، ومن الذي يجمع الجزئيات بعد تفرقها في التراب أو ذهابها في بطون السباع والوحوش والأسماك ؟ ومن الذي يحصى
(١) - لأن قوله تعالى : بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ بل للإضراب الإبطالى مع تقدير استفهام إنكارى لعجبهم هذا.
(٢) - والفاء للتفصيل مثلها في قوله تعالى : وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ.