ج ٣، ص : ٥٢٤
وشهيد، أى : سائق يسوقها إلى نتيجة عملها، وشاهد يشهد لها بعملها ويقال لها :
تاللّه لقد كنت أيها الإنسان في غفلة من هذا الذي نزل بك - وكل إنسان وله اشتغال ما عن الآخرة - فكشفنا عنك غطاءك، وأزلنا عنك غفلتك التي كانت عندك في الدنيا، بانهماكك في المحسوسات، واشتغالك بالماديات، وقصر نظرك عليها، فبصرك اليوم حاد وقوى تدرك به ما غفلت عنه أو أنكرته في الدنيا.
وقال قرينه - وهو شيطانه الذي قيض له في الدنيا - : هذا - والإشارة إلى نفس الشخص الكافر - الذي عندي وفي ملكي عتيد لجهنم، أى : قد هيأته لها بإغوائى وإضلالى « ١ »، فيقال للموكل به من الملائكة : ألقيا في جهنم كل كفار معاند للحق مجانب له، مناع للخير، معتقد ظالم، شاك في دينه مرتاب في ربه، الذي جعل مع اللّه إلها آخر فألقياه - والأمر للسائق والشهيد كما مضى - في العذاب الشديد.
وحينما يلقى الكافر في جهنم يقول : يا رب أطغانى الشيطان وأضلنى!! فيقول الشيطان « ٢ » : ربنا ما أطغيته ولا أضللته ولكن كان هو في ضلال بعيد الغور، فأنا وسوست له وزينت له السوء فقط، وهو الذي ارتكب الإثم بنفسه بعد اختياره له وقصده، وبعد ما جاء التحذير له من السماء مرارا، فيا رب : ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد يستحق معه هذا العقاب، فيقول اللّه : لا تختصموا لدى، والحال أنى قدمت لكم بالوعيد، وهو القرآن، وأنذرتكم على ألسنة الرسل، وحذرتكم من سوء العاقبة مرارا، ودعوتكم إلى الخير جهارا.
ما يبدل القول لدى، ولا معقب لحكمي، وقد حكمت بتخليد الكافر في النار وتعذيب العاصي بها على حسب عمله، ولن يغير هذا الحكم، وما ربك بذي ظلم للعباد.
(١) - وإعراب هذه الآية « هذا ما لدى عتيد » يجوز في (ما) أن تكون موصوفة و(عتيد) صفتها و(لدى) متعلق به و(ما) هذه خبر اسم الإشارة، ويجوز أن تكون (ما) موصولة مبتدأ و(لدى) صلتها و(عتيد) خبرها والجملة خبر اسم الإشارة.
(٢) - فصلت هذه الجملة لأنها واقعة جواب سؤال مقدر تقديره : ماذا قال الشيطان ردّا على اتهام الكافر له ؟
وعطف قوله : وَقالَ قَرِينُهُ على ما قبله لأن إرادة الجمع بينها وبين ما قبلها وهي وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها... مطلوبة، ولا مانع من العطف لاتحادهما خبرا وإنشاء.