ج ٣، ص : ٥٢٧
المعنى :
كثيرا من الأمم السابقة « ١ »، والقرون الماضية قبلكم أهلكناهم بعذاب شديد عاجل لما كذبوا الرسل، وكفروا بالبعث، وقد كانت تلك الأمم أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا، وأصحاب تجارات ومصانع، هؤلاء اشتد بطشهم فنقبوا البلاد، وأكثروا فيها الفساد، وقيل : أكثروا في السفر والترداد والبحث والطلب عن المال والتجارة، فانظر هل من محيص أو محيد عن اللّه ولقائه ؟ لا مناص منه ولا ملجأ إلا إليه، فاعتبروا أيها المنكرون وآمنوا أيها المشركون.
إن في ذلك لذكرى وعبرة لمن كان له قلب يعقل به فيرى الحسن حسنا والقبيح قبيحا، لأن من لا يتعظ بالمواعظ كأنه لا قلب له لمن كان له قلب يعقل أو أصغى بسمعه إصغاء من يريد أن يعرف الحق من غير تعصب، وهو شهيد، أى : حاضر بروحه وعقله لا بجسمه فقط، وكثيرا ما نعى اللّه على الكفار عدم استفادتهم لأن على قلوبهم الأقفال، وأنهم يحضرون بأجسادهم فقط أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ؟ ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما من عجائب في ستة أيام، وهو القادر على خلقها في لحظة، وما مسنا بعد ذلك إعياء ولا تعب، قيل : نزلت ردّا على اليهود الذين يقولون : إن اللّه استراح يوم السبت واستلقى على العرش بعد أن خلق الدنيا طلبا للراحة، وإذا كان هذا خلقه فكيف نستبعد عليه البعث ؟ !! ولقد ختم اللّه السورة بعلاج من حكيم خبير، علاجا لمن يدعو إلى الخير ويصاب بالأذى من قومه. ويجازى على الحسنة بالسيئة، ليس لهذا علاج إلا الصبر وأن يحتسب أجره عند اللّه، ويفوض أمره إليه، واللّه بصير بالعباد، وهو مع المؤمنين بالنصر والتأييد إن كانوا مؤمنين حقا.
اصبر يا محمد على ما يقولون، واستعن على ذلك بالتسبيح والصلاة، وتقوية الروح باللقاء المعهود مع خالق هذا الوجود، في الصلاة والمناجاة والتسبيح والتكبير، وسبح
(١) - « كم » خبرية منصوبة بأهلكنا، و« من قرن » تمييز لها، وجملة « هم أشد » صفة لقرن، والفاء في قوله :
« فنقبوا » عاطفة على المعنى مع إفادة السببية.