ج ٣، ص : ٥٣٣
الفجر. وَالْمَحْرُومِ : هو الذي حرم المال، والظاهر أنه هنا المتعفف الذي لا يسأل الناس... وهؤلاء هم المتقون المؤمنون، وهذا جزاؤهم بعد الكلام على الكفار والمجرمين، مع ذكر حقائق أخرى تتعلق بالاستدلال على قدرة اللّه ووحدانيته، وبالمن على الناس بأن رزقهم من اللّه ويأتى من السماء.
المعنى :
إن المتقين الموصوفين بالصفات الآتية في جنات وبساتين يتمتعون بكل ما فيها ولهم فيها عيون فوارة بالماء الزلال تجرى خلال الجنة، فلا يرون فيها عطشا، كما أنهم لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا، إنهم في جنات وعيون حالة كونهم آخذين ما آتاهم ربهم من نعيم وقابلين لكل ما أعطاهم بقبول حسن، وقد كانوا في الدنيا يتقبلون أوامر اللّه التي تأتيهم على ألسنة الرسل بصدور رحبة، ونفوس مطمئنة، وكأن سائلا سأل وقال : هل فعلوا ما يستحقون عليه هذا الجزاء ؟ فأجيب : إنهم كانوا قبل ذلك في الدنيا محسنين لأعمالهم، آتين بها على ما ينبغي، عابدين اللّه عبادة خالصة لوجهه كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ « ١ » أى : كانوا يهجعون زمانا قليلا من الليل، ولا شك أن هذا وصف للمتقين بأنهم عاملون مخلصون، فالليل وإن كان وقت راحة ونوم، فهم لا يهجعون فيه إلا قليلا، ويكابدون العبادة في أوقات الراحة والبعد عن الناس، وعند سكون النفس وعدم اشتغالها بالدنيا وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً « ٢ » وهم مع ذلك كله يستغفرون اللّه في الأسحار، كأنهم أجرموا في الليل أو عصوا اللّه في النهار، أليس هذا هو وصف المؤمن التقى دائما يخشى اللّه ويعمل له، ويحاسب نفسه ثم يستغفر اللّه بالأسحار بعد ذلك ؟
وهم دائما في خشية من عذاب اللّه، ومع ذلك ففي أموالهم حق ثابت معلوم، للسائل والمحروم، الذي يتعفف عن السؤال، ويحسبه الجاهل غنيّا، وهو في أشد حالات الفقر.
عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :« ليس المسكين الّذى تردّه التّمرة والتّمرتان

_
(١) - هذه الجملة بيان للجملة التي قبلها ولذلك فصلت.
(٢) - سورة الإسراء آية ٧٨.


الصفحة التالية
Icon