ج ٣، ص : ٥٣٧
لشأن القصة، ورفع لمكانة الحديث، ولفت لأنظار الناس إليه وتنبيه على أن مثل هذا الحديث مما لا يعلمه رسول اللّه إلا عن طريق الوحى لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى « ١ » وقد سبقت هذه القصة في سورتي هود والحجر، ولا شك أن ضيوف إبراهيم مكرمون عند اللّه، لأنهم من الملائكة. بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ « ٢ » وإبراهيم أكرمهم غاية الإكرام فهم مكرمون من اللّه ومن المضيف، هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه « ٣ » فقالوا : نسلم عليك سلاما، فأجابهم إبراهيم بأحسن مما حيوا حيث قال : عليكم سلام من اللّه ورحمته، وعلماء البلاغة يقولون :(الجملة الاسمية كما في قولك : السلام عليك، أبلغ من قولك : أسلم عليك، لأن الأولى تفيد الدوام والثبوت، والثانية تفيد التجدد والحدوث).
ثم قال إبراهيم في نفسه أو قال مظهرا لهم : أنتم قوم منكرون غير معروفين وهيئتكم العامة غير معهودة لنا، وعقب هذا ذهب إلى أهله في خفية منهم وطلب إليهم إعداد طعام للضيفان، فجاء بعجل سمين مشوى، فقربه إليهم، قال لهم : ألا تأكلون ؟
ولكنهم أعرضوا عن الأكل، فلما أعرضوا أوجس منهم خيفة، وأضمر في نفسه خوفا منهم على عادة الناس يظنون أن الامتناع عن الطعام لشر مبيت، وأكل الضيف يزيل هذا الظن، وماذا قالت الملائكة عندئذ ؟ قالوا : يا إبراهيم لا تخف إنا رسل ربك، وبشروه بغلام عليم عند استوائه وبلوغه الرشد، وهو إسحاق على الصحيح.
فلما سمعت امرأته تلك البشارة، وكانت يائسة من الحمل أقبلت على أهل بيتها في صوت وجلبة، فضربت جبهتها بأطراف أصابعها كما تفعل النساء عند ظهور أمر عجيب وقالت : أألد وأنا عجوز عقيم ؟ !! ماذا قالت الملائكة لها ؟ قالوا : لا تعجبي من أمر اللّه، مثل ذلك القول الكريم الذي أخبرناك به قال ربك ذلك، وإنما نحن مبلغون فقط، ونحن رسل اللّه إليك، إنه هو الحكيم الذي يضع الأمور في نصابها وهو العليم بكل خلقه، فلا تعجبي من أمر اللّه، وذلك تذييل موافق لما قبله.
(١) - سورة يوسف آية ١١١.
(٢) - سورة الأنبياء آية ٢٦.
(٣) - في هذا إشارة إلى أن (إذ دخلوا عليه) ظرف للحديث أو معمول ل (اذكر) محذوفة.