ج ٣، ص : ٥٤
بحيث لا يكاد ينكرها المكابرون. بل أكثرهم لا يعلمون أن ذلك يلومهم وأنه حجة عليهم وأنهم لم ينتبهوا مع زيادة التنبيه.
للّه ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، وإذا كان الأمر كذلك تحقق أن الحمد كله للّه، إن اللّه هو الغنى عن الكل، والكل محتاج إليه، محمود مشكور في السماء والأرض، وإن لم يحمده أحد، فهو غنى عن حمد الحامدين، ولا يلحقه نقص بسبب كفر الكافرين.
إن في قدرته - تعالى - وعلمه عجائب لا تنفد وأسرار لا نهاية لها، فلو أن ما في الأرض من شجرة أقلام يكتب بها، والبحار مداد لها، ما فنيت عجائب صنع اللّه، وما نفدت كلمات اللّه، والظاهر - واللّه أعلم - أن المراد بكلمات اللّه كلماته التكوينية - كن فيكون - وقال بعضهم : إن المراد بكلمات اللّه هو الكلام الأزلى القديم إذ هو الذي لا نهاية له، والغرض من الآية الإعلام بكثرة معاني كلمات اللّه وأنها ليست متناهية وأنها لا تنفد بأكثر من هذه الأقلام والبحور، أى : لا تنفد مطلقا، إن اللّه عزيز لا يعجزه شيء حكيم لا يخرج شيء عن علمه وحكمته.
وهذه آيات قدرته وكمال علمه تبطل إنكارهم للبعث، إذ ما خلقكم أيها المشركون ولا بعثكم إلا كنفس واحدة، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، وقد علمتم أن كلمات اللّه التكوينية لا تنفد أبدا، إنه سميع لما يقولون، بصير بما يعملون.
وهاتان آيتان تدلان على أن اللّه سخر لكم السماء والأرض وما فيهما.
ألم تر أن اللّه يولج الليل في زمن النهار ؟ أى : يجعل الليل في الزمان الذي كان فيه النهار، فمثلا إذا كان الليل اثنتي عشرة ساعة والنهار كذلك ثم زيد الليل ساعتين كانتا على حساب النهار فيصبح الليل أربع عشرة ساعة والنهار عشر ساعات، وهذا معنى قوله : يولج الليل في النهار، وكذلك يولج النهار في الليل، وسخر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى وزمن معلوم، إن اللّه بما تعملون خبير، فليس بعد هذا وجه لمن يعبد الشمس أو القمر أو غير هما من الكواكب ويترك عبادة من سخر هما وذللهما لمنافع الناس، وكذلك من يعبد الظلام والنور ويترك من أوجد الظلام والنور!! ذلك الذي وصف من عجائب قدرته وحكمته والذي تلى من الآيات السابقة بسبب أنه تعالى هو الحق الثابت الألوهية وأنه لا معبود بحق إلا هو، وأن ما يدعون من دونه من أصنام


الصفحة التالية
Icon