ج ٣، ص : ٥٥٦
كالقرآن مثلا، أى : ما صدر عنه ذلك عن هوى نفسه ورأيه، إن هو - أى :
القرآن - إلا وحى من اللّه - عز وجل - يوحى به إليه « ١ ».
علم النّبىّ جبريل - عليه السلام - الذي هو شديد القوى، علمه القرآن، ولا عجب في ذلك فقد قلع قرى قوم لوط، وصاح بقوم صالح فأصبحوا جاثمين، وكان هبوطه على الأنبياء في لمح البصر، وهو القادر بأمر اللّه على التشكل بأشكال مختلفة، وهو ذو مرة، أى : صاحب حكمة وحصافة في العقل، وبعد في النظر، فاللّه قد وصفه بقوة الجسم وقوة العقل والرأى.
فهل رآه النبي على صورته الحقيقية ؟ فقيل في الجواب : نعم رآه فاستوى واستقام على صورته الحقيقية التي خلقه اللّه تعالى عليها له ستمائة جناح كل جناح منها يسد الأفق على ما روى، رآه والحال أن جبريل بالأفق الأعلى، وفي المروي أن ذلك في أول البعثة، ثم قرب جبريل من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فتدلى، أى : كان معلقا في الهواء، فكان قريبا من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بمقدار قابى قوسين أو أقرب من ذلك، وأو للشك من جهة العباد لا من اللّه سبحانه، أى : من يراه يظن أنه كذلك أو أقرب.
فأوحى جبريل إلى عبد اللّه « ٢ » ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم من القرآن ما أوحى، وفي الصورة الحقيقية أو غيرها ما كذب فؤاد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ما رآه ببصره، أى : لم يقل بقلبه لما رآه ببصره : لم أعرفك فيكون كذبه.
ويقول العلامة الآلوسي نقلا عن الكشف : إن هذه الآيات سيقت لتحقيق أمر الوحى، ونفى الشبهة والشك فيه ليتأكد الكل أن هذا الوحى ليس من الشعر ولا من الكهانة، فليس للشيطان ولا للجن أى قدرة على تصورهم للنبي في صورة جبريل الحقيقة أو غيرها لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عرفه بقلبه وبصره، ورآه في حالاته المتعددة، ومن ثم لم يكن من المعقول أن يشتبه عليه، انظر إلى قوله : فاستوى، ثم إلى قوله : ثم دنا فتدلى، فأوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، ومن هنا كان ترتيب قوله تعالى : أفتمارونه
(١) هذه الجملة واقعة في جواب سؤال مقدر نشأ بعد قوله تعالى : وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، لذلك فصلت وجملة يوحى وصف لوحى لدفع المجاز وتأكيد الإيحاء.
(٢) نعم هو عبد اللّه فقط، وما كان عبدا لأى كائن في الدنيا! وكيف يكون غير ذلك!!