ج ٣، ص : ٥٦٤
الغيبية، فهو بسبب ذلك يرى أن صاحبه يتحمل عنه شيئا من وزره ؟ ! أو نزل عليه قرآن من عالم الغيب فهو يرى أن ما صنعه حق.
بل ألم ينبأ بما في صحف موسى، وصحف إبراهيم الذي وفي ما عليه، وابتلى بشدائد كثيرة فخرج منها وافى الإيمان سليم العقيدة، مستحقا هذا اللقب :« خليل الرحمن » ألم يعلم بأن صحف موسى وإبراهيم فيها أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، بمعنى لا تحمل نفس مستعدة للحمل ذنب نفس أخرى، وفيها أنه ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى يوم القيامة، ثم يجزاه الجزاء الأوفى، وأن « ١ » إلى ربك نهاية الخلق ومنتهاهم، وأنه هو أضحك بعض عباده وأبكى، أضحكهم لأنه وعدهم السعادة في الدنيا والآخرة، وأبكى في الحقيقة من حرمهم السعادتين، وأنه هو أمات وأحيا، أى :
خلق الموت والحياة، وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من الإنسان والحيوان، خلقهما من نطفة إذا تمنى، وهذه النطفة لا يفرق فيها بين الذكر والأنثى، فليس هناك شك في أنه وحده هو الخالق للذكر والأنثى، وأن عليه النشأة الأخرى، أى : الإحياء بعد الإماتة وأنه هو وحده الذي أغنى وأقنى، أغنى بالمال والمنقولات وأقنى بالعقارات الثابتة، وأنه هو رب الشعرى، وغيرها من الكواكب، وأنه أهلك عادا الأولى الذين أرسل لهم هود، وأهلك ثمود الذين أرسل لهم صالح، فما أبقى منهما شيئا، وأهلك قوم نوح من قبل هؤلاء، إنهم كانوا هم أظلم وأطغى من غيرهم، وأهلك قرى قوم لوط، وهم المؤتفكة التي رفعها اللّه إلى السماء ثم قلبها إلى الأرض فغشيها من الهم والحزن ما غشيها.
فبأى آلاء ربك أيها الإنسان تتمارى، وتتشكك ؟ هذا القرآن الذي أنزل على محمد هو نذير من جنس النذر الأولى التي كانت تنزل على الأمم السابقة، فما بالكم لا تؤمنون، ولا تتعظون بما حل بغيركم ؟ ! أزفت الآزفة، وقربت القيامة، ليس لها من دون اللّه نفس كاشفة تكشفها وتزيلها، بل الأمر كله للّه سبحانه وتعالى.
(١) إن هذه تحتمل الفتح والكسر، ويحتمل مدخولها وما بعده أنه مما في الصحف أو هو خاص بالقرآن.