ج ٣، ص : ٥٦٨
ويرى بعضهم أن انشقاق القمر عبارة عن انشقاق الظلمة وقت طلوعه، لا انفلاقه فلقتين كما روى في البخاري، وبعضهم يرى أنه كناية عن وضوح الأمر وظهوره، ولست أرى داعيا إلى إنكار انشقاق القمر على أنه معجزة فالمعجزة أمر خارق للعادة، وعدم تواتره لا يقدح، فإنها آية ليلية، وقد ذكرت في القرآن، والصحيح أن منكرها لا يكفر بها لعدم تواترها في السنة، وليست الآية نصّا فيها.
وإن يروا - هؤلاء الكفار كما هو شأنهم - أى آية يعرضوا عنها، ويقولوا : هذا سحر مستمر، أى : مطرد دائم عرفناه من محمد، أو هو سحر مستمر، أى : محكم قوى عرفناه من هذا الساحر القوى، أو هو سحر سيذهب عن قريب ويضيع كما ضاع غيره، وتلك أمانيهم الباطلة، ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وهكذا كذبوا بآياتنا الظاهرة واتبعوا في هذا التكذيب والإعراض أهواءهم التي زينها لهم شياطينهم فقط، ولم يتبعوا حجة أو منطقا سليما، وما علموا أن كل أمر مستقر وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ « ١ » نعم كل أمر لا بد منته إلى غاية يتبين عندها حقه من باطله.
وتاللّه لقد جاءهم في القرآن من أخبار القرون الماضية ما فيه ازدجار لهم « ٢ » ومنع عما هم فيه من القبائح لو كانوا يعقلون، هذه حكمة بالغة قد بلغت الغاية ووصلت إلى النهاية في الإحكام والدقة فكان من المعقول أن ينتفعوا بوعيد هذه الأنباء ووعدها، فما انتفعوا، وما أغنتهم هذه النذر « ٣ ».
وإذا كان الأمر كذلك فتول عنهم، وأعرض، ولا يهمنك أمرهم، واذكر يوم يدعو الداعي، وهو إسرافيل - عليه السلام - يدعوهم ليخرجوا من الأجداث فيرون شيئا منكرا فظيعا تنكره النفوس لعدم عهدها بمثله، وهو هول يوم القيامة، يخرجون من القبور أذلة أبصارهم من شدة الهول كأنهم جراد منتشر في الكثرة والتموج والانتشار في الأقطار، وقد جاء تشبيههم - مرة أخرى - يوم يخرجون من القبور كالفراش المبثوث،
(١) وهذا استئناف مسوق للرد على الكفار في تكذيبهم ببيان أنه لا فائدة لهم في ذلك حيث إن كل أمر لا محالة ينتهى إلى غاية، ومن جملة ذلك أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سينتهي إلى غاية يظهر فيها أنه على حق، وأنهم على باطل.
(٢) (من الأنبياء ما فيه مزدجر) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال مقدم من (ما) الواقعة فاعلا لجاءهم.
(٣) وعلى هذا فما نافية ويصح أن تكون استفهامية للاستنكار، والفاء لترتيب عدم الإغناء على مجيء الحكم.