ج ٣، ص : ٥٩٥
المعنى :
وكنتم - والخطاب لأمة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والأمم السابقة من باب التغليب - أصنافا ثلاثة :
أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون، فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة « ١ » نعم هم في غاية حسن الحال، كما أن أصحاب المشأمة في نهاية سوء الحال، والسابقون السابقون أولئك - والإشارة لبعد مركزهم وعلو مكانتهم - المقربون « ٢ » في جنات النعيم بمعنى السابقون هم الذين سبقوا في الإيمان غيرهم وسارعوا إلى عمل الصالحات، وكأن سائلا سأل وقال : وما جزاء هؤلاء ؟ ؟ فأجيب : أولئك المقربون من الحضرة القدسية المتمتعون بالرضا السامي في جنات النعيم.
هم جماعة كثيرة من الأمم السابقة وقليل من أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ممن جاءوا أخيرا، فالقلة والكثرة راجعة إلى العدد، هم جميعا في الجنة حالة كونهم على سرر منسوجة بالذهب نسجا محكما، حالة كونهم متكئين عليها، متقابلين فوجوههم متقابلة، وهكذا الأدب العالي، وقلوبهم صافية نقية، ولذا تراهم متقابلين يطوف عليهم في الجنة ولدان مخلدون لا يعتريهم هرم ولا ضعف بل هم دائما في طراوة الشباب ورقته ونشاطه، يطوفون عليهم بأكواب من فضة وأباريق من ذهب، ويطوفون بخمر جارية من العيون فلا تنقطع، ظاهرة للعيون، فليست كخمر الدنيا التي تعصر وتحجز، ولا يصيبهم بسببها صداع ولا ألم، ولا يتفرقون عنها بسبب من الأسباب، ولا هم عنها ينزفون، أى : لا تذهب عقولهم، ولا تبيد أموالهم، ولا تهدم صحتهم، ولا تضيع كرامتهم، خمر الجنة، وكفى أنها من صنع الخلاق الحكيم! ويطوفون عليهم بفاكهة كثيرة يأخذون منها ما يختارون، وبلحم من جميع الأشكال والأنواع يأكلون منه ما يشتهون، ولعلك معى في أن تقديم الفاكهة على اللحم مما يدعو إليه الطب.
(١) - أصحاب الميمنة مبتدأ، والاستفهام للتعجب مبتدأ ثان، وأصحاب الميمنة خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول.
(٢) - أحسن الأعاريب أن (السابقون) مبتدأ و(السابقون) الثانية خبر - من باب شعري شعري - وفي هذا تفخيم لشأنهم، وجملة (أولئك المقربون) مبتدأ وخبر، واقعة استئنافا بيانيا.