ج ٣، ص : ٦٠٣
لو يشاء ربك بعد خلقه لجعله هشيما متكسرا لا غلة ولا خير، كما يحصل الآن ونراه بأعيننا في حقلين متجاورين متفقين في كل شيء أو نفس الحقل الواحد، ونرى أن هذا النبات يثمر، وذاك في ليلة واحدة يصبح هشيما لا خير فيه، وتبارك اللّه أحسن الخالقين! لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون، وتتعجبون من سوء الحال والمصير، أو فظللتم تتلاومون على سوء أفعالكم، وكل ذلك تفسير باللازم، والأقرب فظللتم تزيلون التفكه والف كاهة عنكم، والرجل لا يطرح الفكاهة والمسرة عن نفسه إلا عند الألم والحزن، أو المراد تتفكهون قائلين : إنا لمغرمون - وهذا من باب التهكم - بل نحن محرومون من عطاء اللّه.
أفرأيتم الماء الذي تشربونه ؟ أأنتم أنزلتموه من السحاب أم نحن المنزلون ؟ نعم هو اللّه وحده القادر على إنزال المطر، وإخراج الماء من البحار على هيئة البخار حالة كونه نقيّا صافيا من كل شيء ثم جمعه في السحاب، ثم إنزاله مطرا يصيب به من يشاء من عباده.
ولو شاء ربك أنزل « ١ » المطر من السماء ملحا أجاجا لا يصلح للرى، ولكنه اللطيف الخبير فهلا تشكرون ربكم على ذلك ولا تكفرون! أفرأيتم النار التي تورونها، وتستخرجونها من الزند أو ثقاب الكبريت، أو على أى صورة أأنتم أنشأتم شجرها ؟ أأنتم خلقتم مادتها ؟ أم نحن الخالقون ؟ نعم هو ربك وحده الذي خلق فقدر كل ذلك، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
نحن جعلنا النار تذكرة لجهنم، وعبرة لمن يعتبر، وجعلناها متاعا يتمتع بها الخلق جميعا المقيم والمسافر، والغنى والفقير، والحاضر والبادي، ولا غرابة فالنار أحد العناصر المهمة كالماء والتراب والهواء.
إذ كان الأمر كذلك فسبح باسم ربك العظيم، ونزهه عن كل نقص. وإذا كان الأمر بتقديس الاسم فما بال المسمى جل شأنه ؟ !
(١) - جواب لو هنا مجرد من اللام، وفيما قبله مقرون باللام، والنحويون يجيزون ذلك، أما لما ذا كان هذا الوضع هنا ؟ ففي الحقيقة اللّه أعلم بأسرار كتابه، وإن كان الكشاف والآلوسي وغيرهما عللوا عللا عللا ليست قوية في نظري.