ج ٣، ص : ٦١٠
هو الأول فليس قبله شيء، إذ هو السابق على جميع الموجودات لأنه مصدرها، وهو الآخر لأنه الباقي بعد فناء خلقه، وهو الظاهر وجوده لكثرة الدلائل المادية والمعنوية عليه، وهو الباطن فلا تعرف العقول ذاته على حقيقتها، ولا تدركها الأوهام وهو بكل شيء عليم،
روى في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة :« اللّهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنّا الدّين وأغننا من الفقر! »
. هو الذي خلق السموات والأرض « ١ » في ستة أيام، اللّه أعلم بمقدارها، وهو القادر على خلقها في لحظة إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ « ٢ » لكنه ذكر هذه المدة ليعلم العباد التأنى والتثبت في الأمور، وليعلمهم أن خلق السموات والأرض أكبر من خلقهم، وليس هو بالهين لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ « ٣ ».
ثم استوى على عرشه، واستقام أمره، واستقر على حسب ما يريده مما لا يعلم ذلك إلا هو، وهذا هو رأى السلف، وأما الخلف فيؤولون قائلين : استوى على عرشه بعد تكوين خلقه بمعنى أنه يدبر الأمر ويفصل الآيات، يعلم ما يلج في الأرض ويدخل فيها من نبات وبذور، وإنسان ومعادن وكنوز، وما يخرج منها من زروع وثمار، ومياه وجثث وغيرها، وهو يعلم ما ينزل من السماء من مطر أو شهب أو ملك أو آيات، وما يعرج فيها ويصعد إليها من عمل أو ملك أو غيره، وهو معكم بعلمه وقدرته أينما كنتم، واللّه بما تعملون بصير.
له ملك السموات والأرض، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، وإلى اللّه وحده ترجع الأمور، يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، بمعنى أنه يدخل هذا في زمن ذاك، وبالعكس، ونحن في مصر نرى الليل في الشتاء طويلا بينما يكون النهار في الصيف قصيرا، وفي الصيف يكون العكس، وفي الربيعين يتساوى الليل والنهار، سبحانه من قادر حكيم! وهو العليم بذات الصدور ومكنوناتها التي لا تفارقها يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ « ٤ » سبحانه وتعالى عما يشركون ؟

_
(١) - الظاهر واللّه أعلم أن هذه الجمل بيان وتفسير لتمام ملكه ولذا فصلت عن سابقتها.
(٢) - سورة يس آية ٨٢.
(٣) - سورة غافر آية ١٩.
(٤) - سورة غافر آية ٥٧.


الصفحة التالية
Icon