ج ٣، ص : ٦٢٠
ويفيده، وهي لعب ولهو، ومتاعها زينة يتزيا به الجهلاء والكفار، مع أن زينة العقلاء السعداء هي إيمان راسخ، ويقين ثابت وذكر صاحب النعم وإيمان بوجوده وجودا ذاتيا كاملا وإيمانه بكتبه ورسله واليوم الآخر ذلك هو الإيمان وتلك زينة المؤمنين باللّه ورسله وهي كذلك تفاخر بالأحساب والأنساب وتكاثر في جمع الأموال والأولاد هذه هي مشاغل الدنيا الفانية الزائلة فكل ما يشغل عن الآخرة فهو الدنيا أما الدنيا عند المؤمن الصحيح فهي قنطرة الآخرة وممر لها يعمل فيها وينتفع ببعض مباهجها وزينتها ولكنه دائما يذكر اللّه ولا ينساه، ويستعين بالدنيا على تحصيل الثواب والأجر الذي ينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللّه بقلب سليم.
هذه الدنيا الفارغة سريعة الزوال والانصرام. فهي كمثل غيث نزل بأرض فأنتج زرعا أعجب الكفار نباته أما المسلمون حقا فهم لا يعجبون به ولا يغترون بل إذا رأوه قالوا : ما شاء اللّه ولا قوة إلا باللّه! وذكرهم هذا بربهم الواحد الأحد.
عيون من لجين شاخصات على أطرافها ذهب سبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأن اللّه ليس له شريك
والكافر لا يتخطى نظره الماديات وقيل : المراد بالكفار : هم الزراع مطلقا، هذا النبات الذي أعجب الزراع لا يلبث أن تراه قد هاج ووصل إلى أقصى ما يتأتى له، فتراه عقيب ذلك مصفرّا ينذر بالنهاية، ثم يكون حطاما متكسرا يابسا بعد خضرة يانعة، كل ذلك في وقت وجيز.
هكذا الدنيا تقبل سريعة ثم تزداد وتقوى زمنا يسيرا ثم تراها وقد انفضت من حولك أو خرجت منها، كما يخرج الإنسان من الدنيا صفر اليدين إلا من العمل الصالح.
وفي الآخرة عذاب شديد للعصاة والمذنبين، وفيها مغفرة ورضوان من اللّه كبير وما الحياة الدنيا إلا متاع يغتر به من يطمئن له.
سابقوا أيها العقلاء إلى ما يكون سببا للمغفرة « ١ » والرضوان من ربكم، وسارعوا مسارعة السابقين إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض، أعدت للذين آمنوا باللّه
(١) - مجاز مرسل علاقته السببية.
ا لتفسير الواضح، ج ٣، ص : ٦٢١
ورسوله وعملوا الخير كالإنفاق في السراء والضراء وكظم الغيظ والعفو عن الناس.
وعمل الطيبات.
ذلك فضل من اللّه يؤتيه من يشاء، واللّه ذو الفضل العظيم.
الأمر كله للّه [سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤)
المفردات :
مُصِيبَةٍ هي لغة : كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر، وخصها العرف بالشر. نَبْرَأَها : نخلقها. تَأْسَوْا : تحزنوا. مُخْتالٍ فَخُورٍ : المتكبر، والفخور : المباهي بماله أو جاهه.
المعنى :
يعالج القرآن الكريم مرضا في النفوس قد يحول دون الجهاد والبذل في سبيل اللّه، فإن الإنسان قد يترك هذا خوفا من الفقر أو القتل، ولكنه إذا علم أن للقدر سهاما لا ترد،