ج ٣، ص : ٦٣٥
المعنى :
يا أيها الذين آمنوا باللّه ورسوله، وتحلوا بالخلق القرآنى : إذا قيل لكم : توسعوا في المجالس لإخوانكم فوسعوا يوسع اللّه لكم، فمن أفسح لأخيه في مجلسه، وأكرمه وسع اللّه عليه وأكرمه إذ الجزاء من جنس العمل.
روى أن هذه الآية نزلت يوم الجمعة، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذ في الصفة وفي المكان ضيق، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء أناس من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس بن شماس، وقد سبقوا في المجلس، فقاموا حيال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم، فلم يفسحوا لهم، فشق ذلك على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال لمن حوله من غير أهل بدر : قم يا فلان وأنت يا فلان »
بعدد القائمين من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم، وعرف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم الكراهية في وجوههم، فغمز المنافقون وتكلموا بأن قالوا : ما أنصف هؤلاء وقد أحبوا القرب من نبيهم فسبقوا إلى المكان، فأنزل اللّه - عز وجل - هذه الآية.
فمن الآداب الإسلامية أن المكان لمن سبق، وأن الرجل لا يقام من مجلسه ليجلس فيه آخر، ولكن من الأدب أن تفسح لأخيك في المجلس، توسع له من غير أن تضار.
وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للقادم : فمنهم من أجازه محتجاّ
بحديث « قوموا إلى سيّدكم »
وقيل : هذا في الحاكم ورئيس القوم بشرط ألا يتخذ عادة وشعارا كما نفعل الآن، ومنهم من منع ذلك محتجاّ
بحديث « من أحبّ أن يتمثّل له الرّجال قياما فليتبوّأ مقعده من النّار »
. وكان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يجلس حيث ينتهى به المجلس.
وإذا قيل لكم : انشزوا، وانهضوا للخير فانشزوا وارتفعوا يرفع اللّه الذين آمنوا منكم - وخاصة العلماء - يرفعهم درجات في الدنيا والآخرة، واللّه بما تعملون خبير.
نجوى الرسول [سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ١٢ الى ١٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣)


الصفحة التالية
Icon