ج ٣، ص : ٦٤
رسلك، فهم قد أبصروا حيث لا ينفعهم البصر أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا « ١ » يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا إلى الدنيا نعمل صالحا إنا موقنون، فوعدك حق ولقاؤك صدق، وقد علم اللّه أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون، وكيف يكون من هؤلاء إيمان وتوفيقهم إلى الطاعة، ولو شئنا لآتينا كل نفس من النفوس هداها فتهتدى بالإيمان والطاعة باختيار منها وكسب لها ولكن لم نشأ توفيق الناس جميعا إلى ذلك، بل حق القول منى وثبت وحم القضاء ونزل وهو لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ « ٢ » وعند بعض العلماء في مثل هذه الآيات أن المعنى : ولو شئنا إلجاء الناس إلى الهدى لآتينا كل نفس هداها، ولكن قضت حكمتنا أن يكون للجنة والنار قوم فتركناهم واختيارهم وحق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين، وتقول لهم الخزنة حين دخولهم النار : ذوقوا العذاب الأليم بسبب نسيانكم هذا اليوم وترككم الاستعداد له فذوقوا عذاب الخلد الدائم بما كنتم تعملون من الكفر والتكذيب.
وفي قوله تعالى : وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها « ٣ ». وفي قوله : وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً « ٤ ». مع قوله : فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا، لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ « ٥ ». وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ « ٦ » وقع خلاف بين العلماء هل العبد مجبور لا اختيار له نظرا إلى قوله : وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ « ٧ » وأمثالها في القرآن ؟ أم هو مختار والاختيار مناط الثواب والعقاب نظرا إلى قوله : فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا ؟ والواقع أنه قد فرط أصحاب كل رأى.
والحق - واللّه أعلم - أن هناك فرقا بين فعل فعلته باختيارك الظاهري، وبين فعل فعلته مضطرا كارتعاش اليد مثلا، فالكل من اللّه، واللّه صاحب التصريف، ولكن في الأول يظهر الاختيار بصورة واضحة، وصح تعليق الثواب والعقاب حينئذ بصاحبه ضرورة أنه لا يعرف عند الفعل مشيئة اللّه له، وإن كان في الواقع هو مجبور على هذا الفعل الموافق للمشيئة فهو مجبور في صورة مختار.
(١) - سورة الكهف آية ٢٦.
(٢) - سورة هود آية ١١٩.
(٣) - سورة السجدة آية ١٣.
(٤) - سورة يونس آية ٩٩.
(٥) - سورة المزمل آية ١٩. [.....]
(٦) - سورة الإنسان آية ٣٠ سورة التكوير آية ٢٩.
(٧) - سورة الإنسان آية ٢٩.