ج ٣، ص : ٦٥٣
المعنى :
يا أيها الذين آمنوا : اتقوا اللّه حيثما كنتم، وفي أى عمل عملتم، ولتنظر كل نفس إلى أى شيء قدمته من الأعمال ليوم القيامة، ولتحاسب نفسها عما عملت، قبل أن تحاسب هي عليه، وفي هذا حث عظيم على النظر فيما ينفع لغد، وبيان أن النظر فيه قليل، واتقوا اللّه إن اللّه خبير بما تعملون، وسيجازيكم عليه إن خيرا فخير، وإن شرّا فشر.
وإياكم أن تكونوا كالذين نسوا حقوق اللّه وما قدروا اللّه حق قدره، ولم يراعوا الواجب عليهم نحو الذات الأقدس - جل شأنه - لا تكونوا كالذين نسوا اللّه فأنساهم اللّه بسبب ذلك أنفسهم فلم يعملوا لخيرها، ولم يحصلوا ما يخلصها يوم القيامة، أولئك الذين نسوا اللّه هم الفاسقون الكاملون في الفسق والفجور، فإياكم أن تكونوا مثلهم، واعلموا أنه لا يستوي أصحاب النار الذين عملوا لها حيث خالفوا أمر اللّه في كل شيء وأصحاب الجنة الذين اتقوا اللّه فاستحقوا الخلود في الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون وحدهم، وفي هذا تنبيه للناس وأى تنبيه ؟ وإيذان لهم بأنهم لفرط غفلتهم وقلة تفكيرهم في الآخرة وأحوالها، كأنهم لا يعرفون أن هناك فرقا بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، وهذا كما تقول لمن يسيء إلى أخيه : هذا أخوك.
يا أيها الذين آمنوا : ألم تعلموا أن معكم حبل اللّه المتين، وكلامه الكريم، وقرآنه المجيد، فكيف لا تتعظون به ؟ وكيف لا تملأ قلوبكم خشية عند سماع كلامه ؟ مع العلم أنه لو أنزل هذا القرآن على جبل، وكان له عقل يميز - مع أن الجبل علم في القساوة - لرأيته خاشعا متشققا من خشية اللّه، وهذا تمثيل وتخييل لعلو شأن القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ والزواجر.
وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون.
واعلم أن الذي أنزل القرآن وأمر بالتقوى هو اللّه - جل جلاله - واجب الوجود أزلا وأبدا، الحاضر الذي لا يزول، المعبود فلا أحد يستحق العبادة غيره ولا معبود بحق