ج ٣، ص : ٦٥٩
واستغفار إبراهيم لأبيه حيث لم يعرف إصراره على الكفر وموته عليه بمعنى الدعاء له بالتوفيق جائز شرعا بدليل قوله : فلما تبين له أنه عدو للّه تبرأ منه، والحكم في الإسلام على هذا بالجواز حيث لم نعلم أن الكافر مصر على الكفر أو مات عليه، فالاستغفار بهذا المعنى جائز لا واجب، ولهذا استثنى من القدوة الواجب اتباعها، وبعضهم أجاب عن هذا بقوله : إبراهيم - عليه السلام - استغفر حيث لم يعلم إصرار أبيه، وقد كان وعده، أما أنتم فتعرفون إصرار هؤلاء وفظاعة عنادهم وشدة كراهيتهم لكم فلا ينبغي أبدا أن تجاملوهم وتدعوا لهم بالخير بعد أن وصف اللّه لكم نياتهم ورأيتم أفعالهم، وهذا تخريج حسن بلا شك.
لأستغفرن لك ربي والحال أنى لا أملك لك من اللّه شيئا فاعمل بما يرضيه فلن أغنى عنك من اللّه شيئا يا أبت! ربنا : عليك توكلنا، وإليك وحدك أنبنا وتبنا، وإليك وحدك المصير.
ربنا : لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فتعذبنا على أيديهم أو بعذاب من عندك فيظنوا أنهم على حق ونحن على باطل فيفتنوا لذلك، وللأسف ما يحصل اليوم هو هذا. فيا رب لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، واغفر لنا سيئاتنا، وقنا عذاب الخزي في الدنيا والآخرة، ربنا إنك أنت العزيز الحكيم.
لقد كان لكم في إبراهيم ومن معه أسوة حسنة لمن « ١ » كان يرجو اللّه واليوم الآخر، ومن يتول عن ذلك، ولا يقتدى بالصالحين فليعلم أن اللّه هو الغنى عنه وعن عمله، المحمود في السموات والأرض، وهذا تهديد لمن لا يقتدى بالقدوة الحسنة.
وأما أنتم - أيها المسلمون - فلا يشقن ذلك عليكم عسى أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتموهم في الدين من أقاربكم وأهليكم المشركين، عسى اللّه أن يجعل بينكم وبينهم مودة وصلة وأخوة في الإسلام، واللّه على كل شيء قدير، وهو الغفور لما فرط من الذنوب الرحيم بخلقه إذا تابوا وأنابوا.

_
(١) بدل من (لكم) بإعادة حرف الجر وهذا كثير لغة.


الصفحة التالية
Icon