ج ٣، ص : ٦٦٦
كبر المقت عند اللّه وفي حسبانه أن تقولوا ما لا تفعلون « ١ » !! نعم إن قولهم : سنفعل الخير ثم لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه، ومبغوض عند اللّه أشد البغض، ومن هنا كان الخلف في الوعد، والكذب، مذمومين شرعا، ولا يرضى عنهما اللّه، أما الذي يرضى عنه اللّه فها هو ذا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ نعم إن اللّه يحبهم ويرضى عنهم لأنهم يقاتلون في سبيله وابتغاء مرضاته، يقاتلون بنظام ودقة وحكمة صافين أنفسهم مستعدين للقتال على حسب زمانهم، حالة كونهم كالبنيان المرصوص الذي يحمى بعضه بعضا، البنيان المحكم الدقيق الذي لا فرجة فيه ولا خلل، وهذه إشارة إلى إحكام الأمر في القتال والاستعداد له استعدادا مناسبا مع الوحدة والاجتماع التام على الكلمة، ومقابلة العدو بقلوب ثابتة راسخة رسوخ البنيان الشامخ المحكم.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي ؟ وهذا كلام مستأنف مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال، ومخالفة أمر الرسول، واذكر وقت قول موسى لقومه - والمراد ذكر ما حصل في الوقت - : يا قوم لأى شيء تؤذونني بمخالفة أمرى، وتخلفكم عن القتال حين ندبتم لقتال الجبارين، وقولكم : إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ « ٢ » فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ « ٣ ».
يا قوم : لم تؤذوننى ؟ والحال أنكم تعلمون علما أكيدا أنى رسول اللّه إليكم، فلما أصروا على الزيغ والانحراف عن الجادة أزاغ اللّه قلوبهم وصرفها عن الخير لاختيارهم العمى وتركهم الهدى مطلقا، ولا عجب فهم مالوا عن الحق أولا باختيارهم، وهذا بلا شك يؤثر فيهم، فإذا استمروا على ذلك طمس اللّه على قلوبهم فأمالها عن الحق دائما، وكيف يهديهم ربهم إلى الصواب ؟ واللّه لا يهدى القوم الفاسقين، فاحذروا يا أمة محمد أن تكونوا كهؤلاء، واذكر إذ قال عيسى بن مريم : يا بنى إسرائيل : إنى رسول اللّه إليكم حالة كوني مبشرا برسول يأتى من بعدي اسمه أحمد فشريعتى تؤيد

_
(١) (كبر) فعل يفيد التعجب كبئس، وفاعله ضمير، و(مقتا) تمييز و(أن تقولوا) هو المخصوص بالذم، ومعنى التعجب : تعظيم الأمر في قلوب السامعين.
(٢) سورة المائدة آية ٢٢. [.....]
(٣) سورة المائدة آية ٢٤.


الصفحة التالية
Icon