ج ٣، ص : ٦٨٤
المعنى :
يسبح للّه ما في السموات، وما في الأرض، وينزهه عن كل نقص، تنزيها مستمرّا كل ما فيهما، وذلك بدلالته على اتصافه بكل كمال، وسموه عن كل نقص، له الملك وحده دون غيره إذ هو المبدئ المعيد الخالق المصور - سبحانه وتعالى - وله وحده الحمد إذ هو المولى لكل النعم الرحمن الرحيم، وأما ملك غيره لبعض الأشياء فاسترعاء منه - جل شأنه - وتمليك منه له، وما حمد غيره - تبارك وتعالى - فلجريان بعض النعم على يديه فهو له في الحقيقة والواقع. وهو على كل شيء قدير.
وها هي ذي بعض آثار القدرة : هو الذي خلقكم وأوجدكم من العدم، خلقكم من تراب وسواكم، ثم نفخ فيكم من روحه فكان الإنسان مكونا من مادة وروح، وفيه نوازع الخير ونوازع الشر، فمنكم أيها الناس كافر، ومنكم مؤمن، واللّه - جل جلاله - هو الذي أراد هذا وقدره، وكفر الكافر من تغلب مادته على روحه، وهكذا العاصي، والمؤمن بالعكس، وسيجازى ربك على الكفر والمعصية، أو على الإيمان والحسنة لأن صاحبها اختار ذلك، واللّه بما تعملون بصير، وهو بخلقه خبير.
الذي خلقكم، وكان منكم الكافر والمؤمن خلق السموات والأرض، وهذا الكون كله الذي عرف بعضه، وجهل أكثره لم يخلق عبثا بل خلق خلقا ملتبسا بالحق والحكمة البالغة ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى، وهو الذي صوركم فأحسن صوركم لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ « ١ » نعم خلقنا فصورنا على أتم صورة، وأكمل نظام، وأدق ترتيب، خلق فينا العقل والفكر، والنظر والبيان لنعرف مآلنا ونهاية أمرنا إن كنا من المفكرين! صورنا في أحسن صورة وإليه وحده المرجع والمصير، فالواجب أن نتقي اللّه وننظر ما قدمناه لغد، ونعلم أن اللّه يعلم ما في السموات والأرض، وهو يعلم الغيب والشهادة، ويعلم السر وأخفى، وهو العليم بذات الصدور جل شأنه وتبارك اسمه سبحانه وتعالى!
(١) - سورة التين آية ٤.