ج ٣، ص : ٧٠٢
فقالت له : تدخلها بيتي! ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك. فقال لها :« لا تذكري هذا لعائشة فهي علىّ حرام إن قربتها » قالت حفصة وكيف تحرم عليك وهي جاريتك ؟ فحلف لها ألا يقربها، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :« لا تذكريه لأحد » فذكرته لعائشة فآلى ألا يدخل على نسائه شهرا فاعتزلهن تسعا وعشرين ليلة فأنزل اللّه - عز وجل - يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
ويقول العلامة القرطبي : هذه الرواية أمثل في السند وأقرب إلى المعنى، لكنها لم تدون في الصحيح.
المعنى :
يا أيها النبي المختار : لأى شيء تحرم ما أحل اللّه لك ؟ بمعنى : لا ينبغي منك ذلك، على أن المراد بالتحريم الامتناع عن الاستمتاع بالعسل، أو بمارية على الخلاف في الروايات، وليس المراد بالتحريم اعتقاد كونه حراما بعد ما أحله اللّه.
لم تحرم ما أحل اللّه لك حالة كونك تبتغى مرضاة زوجاتك ؟ إذ لا ينبغي منك أن تشتغل بما يرضى الخلق بل اللائق أن زوجاتك وسائر الخلق تسعى في رضاك، وتتفرغ أنت لمهام الرسالة، واللّه غفور رحيم، وفي ختام الآية بهذا دليل على تعظيم شأنه، وعلو مكانه حيث جعل ترك الأولى بالنسبة لمقام الكريم يعد كالذنب، وإن لم يكن في نفسه ذنبا، ولم يكن عتاب اللّه لنبيه إلا لمزيد الاعتناء به.
لقد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم، وشرع لكم تحليلها بالكفارة وبفعل المحلوف عليه، وكفارة اليمين ذكرت في قوله تعالى : فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (٨٩ من سورة المائدة).
وعلى رواية أنه حلف تكون الآية ظاهرة المعنى، وعلى أنه لم يحلف يكون سمى التحريم يمينا لأنه تجب فيه كفارة اليمين، وهل كفر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بأن أعتق رقبة أو لم يكفر ؟ قولان، قد فرض اللّه لكم تحليل يمينكم بالكفارة لها، واللّه مولاكم وهو العليم فيعلم ما يصلحكم فيشرعه لكم، وهو الحكيم في كل أفعاله وأحكامه.
واذكر إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه - هي حفصة على الصحيح - حديثا هو قوله صلّى اللّه عليه وسلّم عند ما عاتبته حفصة : كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود إليه،